العذاب.
[٢٠٧] (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢٠٧) من اللذات ، والشهوات ، أي : أي شيء يغني عنهم ، ويفيدهم ، وقد مضت اللذات ، وبطلت ، واضمحلت ، وأعقبت تبعا لها ، وضوعف لهم العذاب عند طول المدة. القصد أن الحذر ، من وقوع العذاب ، واستحقاقهم له. وأما تعجيله وتأخيره ، فلا أهمية تحته ، ولا جدوى عنده.
[٢٠٨] يخبر تعالى عن كمال عدله ، في إهلاك المكذبين ، وأنه ما أوقع بقرية ، هلاكا وعذابا ، إلا بعد أن يعذر منهم ، ويبعث فيه النّذر بالآيات البينات ، فيدعونهم إلى الهدى ، وينهونهم عن الردى ، ويذكرونهم بآيات الله ، وينبهونهم على أيامه في نعمه ونقمه.
[٢٠٩] (ذِكْرى) لهم وإقامة حجة عليهم. (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) فنهلك القرى ، قبل أن ننذرهم ، ونأخذهم ، وهم غافلون عن النذر ، كما قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ، (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
[٢١٠ ـ ٢١١] ولما بين تعالى ، كمال القرآن وجلالته ، نزهه عن كل صفة نقص ، وحماه ـ وقت نزوله ، وبعد نزوله ـ من شياطين الجن والإنس فقال : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) أي : لا يليق بحالهم ولا يناسبهم (وَما يَسْتَطِيعُونَ) ذلك.
[٢١٢] (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (٢١٢) قد : أبعدوا عنه ، وأعدت لهم الرجوم لحفظه ، ونزل به جبريل ، أقوى الملائكة ، الذي لا يقدر شيطان أن يقربه ، أو يحوم حول ساحته ، وهذا كقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩).
[٢١٣] ينهى تعالى رسوله أصلا ، وأمته أسوة له في ذلك ، عن دعاء غير الله ، من جميع المخلوقين ، وأن ذلك موجب للعذاب الدائم ، والعقاب السرمدي ، لكونه شركا ، (مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ) ، والنهي عن الشيء ، أمر بضده ، فالنهي عن الشرك ، أمر بإخلاص العبادة وحده لا شريك له ، محبة ، وخوفا ، ورجاء ، وذلا ، وإنابة إليه في جميع الأوقات.
[٢١٤] ولما أمره بما فيه كمال نفسه ، أمره بتكميل غيره فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢١٤) الّذين هم أقرب الناس إليك ، وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي ، وهذا لا ينافي أمره بإنذار جميع الناس. كما إذا أمر الإنسان بعموم الإحسان ، ثمّ قيل له «أحسن إلى قرابتك» ، فيكون هذا الخصوص ، دالا على التأكيد ، وزيادة الحث. فامتثل صلىاللهعليهوسلم ، هذا الأمر الإلهي ، فدعا سائر بطون قريش ، فعمم وخصص ، وذكرهم ووعظهم ، ولم يبق صلىاللهعليهوسلم ، من مقدوره شيئا ، من نصحهم ، وهدايتهم ، إلا فعله ، فاهتدى من اهتدى ، وأعرض من أعرض.
[٢١٥ ـ ٢١٦] (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢١٥) بلين جانبك ، ولطف خطابك لهم ، وتوددك ، وتحببك إليهم ، وحسن خلقك والإحسان التام بهم. وقد فعل صلىاللهعليهوسلم ، ذلك كما قال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ