وندموا ، حيث لا ينفعهم الندم ، وأبلسوا ، وأيسوا من كل خير ، وودوا ، لو آمنوا بالرسول ، واتخذوا معه سبيلا. ففي هذا ، تحذيرهم من إقامتهم على مريتهم وفريتهم.
[٥٦] (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) أي : يوم القيامة (لِلَّهِ) تعالى ، لا لغيره. (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) بحكمه العدل ، وقضائه الفصل. (فَالَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله ، وما جاؤوا به (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ليصدقوا بذلك إيمانهم (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) نعيم القلب ، والروح ، والبدن ، مما لا يصفه الواصفون ، ولا تدركه العقول.
[٥٧] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسله (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) الهادية للحق والصواب فأعرضوا عنها ، أو عاندوها.
(فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) لهم ، من شدته ، وألمه ، وبلوغه للأفئدة كما استهانوا برسله وآياته ، أهانهم الله بالعذاب.
[٥٨] هذه بشارة كبرى ، لمن هاجر في سبيل الله ، فخرج من داره ، ووطنه ، وأولاده ، وماله ابتغاء وجه الله ، ونصرة لدين الله ، فهذا قد وجب أجره على الله ، سواء مات على فراشه ، أو قتل مجاهدا في سبيل الله. (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) في البرزخ ، وفي يوم القيامة بدخول الجنة الجامعة ، للروح والريحان ، والحسن والإحسان ، ونعيم القلب والبدن ، أو يحتمل أن المراد : أن المهاجر في سبيل الله ، قد تكفل الله برزقه في الدنيا ، رزقا واسعا حسنا ، سواء علم الله منه أنه يموت على فراشه ، أو يقتل شهيدا ، فكلهم مضمون له الرزق. فلا يتوهم أنه إذا خرج من دياره وأمواله ، سيفتقر ويحتاج ، فإن رازقه هو خير الرازقين ، وقد وقع كما أخبر ، فإن المهاجرين السابقين ، تركوا ديارهم ، وأبناءهم وأموالهم ، نصرة لدين الله ، فلم يلبثوا إلّا يسيرا ، حتى فتح الله عليهم البلاد ، ومكنهم من العباد فاجتبوا من أموالها ، ما كانوا به من أغنى الناس.
[٥٩] ويكون على هذا القول ، قوله : (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) ، إما ما يفتح الله عليهم من البلدان ، خصوصا فتح مكة المشرفة ، فإنهم دخلوها في حالة الرضا والسرور ، وإما المراد به ، رزق الآخرة ، وأن ذلك ، دخول الجنة. فتكون الآية جمعت بين الرزقين ، رزق الدنيا ، ورزق الآخرة ، واللفظ صالح لذلك كله ، والمعنى صحيح ، فلا مانع ، من إرادة الجميع. (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بالأمور ، ظاهرها ، وباطنها ، متقدمها ، ومتأخرها. (حَلِيمٌ) يعصيه الخلائق ، ويبارزونه بالعظائم ، وهو لا يعاجلهم بالعقوبة مع كمال اقتداره ، بل يواصل لهم رزقه ، ويسدي إليهم ، فضله.
[٦٠] ذلك بأن من جني عليه وظلم ، فإنه يجوز له مقابلة الجاني ، بمثل جنايته ، فإن فعل ذلك ، فليس عليه سبيل ، وليس بملوم ، فإن بغي عليه بعد هذا ، فإن الله ينصره ، لأنه مظلوم ، فلا يجوز أن يبغى عليه ، بسبب أنه استوفى حقه. وإذا كان المجازي غيره ، بإساءته إذا ظلم بعد ذلك ، نصره الله ، فالذي بالأصل لم يعاقب أحدا إذا ظلم ، وجنى عليه ، فالنصر إليه أقرب. (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) أي : يعفو عن المذنبين ، فلا يعاجلهم بالعقوبة ، ويغفر ذنوبهم ، فيزيلها ، ويزيل آثارها عنهم. فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي ، ومعاملته لعباده في جميع الأوقات بالعفو ، والمغفرة. فينبغي لكم أيها المظلومون المجني عليهم ، أن تعفوا ، وتصفحوا ، وتغفروا ليعاملكم الله ،