للإسلام يتم لهم (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من السعي والمعاجزة (أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي : ملازمون للنار الموقدة ، المصاحبون لها في كلّ أوقاتهم ، فلا يخفف عنهم من عذابها ولا يفتّر عنهم لحظة من أليم عقابها. وحاصل المعنى. والذين أجهدوا أنفسهم في محاربة القرآن ، مسابقين المؤمنين في زعمهم ، معارضين لهم ، شاقين ، زاعمين ـ خطأ ـ أنهم بذلك يبلغون ما يريدون ، أولئك يخلدون في عذاب الجحيم.
[٥٢] يخبر تعالى بحكمته البالغة ، واختياره لعباده ، وأن الله ما أرسل قبل محمد (مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) أي : قرأ قراءته ، التي يذكر بها الناس ، ويأمرهم وينهاهم. (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أي : في قراءته ، من طرقه ، ومكايده ، ما هو مناقض لتلك القراءة ، مع أن الله تعالى ، قد عصم الرسل ، بما يبلغون عن الله ، وحفظ وحيه ، أن يشتبه ، أو يختلط بغيره. ولكن هذا إلقاء من الشيطان ، غير مستقر ، ولا مستمر ، وإنما هو عارض ، يعرض ، ثم يزول ، وللعوارض أحكام ، ولهذا قال : (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي : يزيله ويذهبه ، ويبطله ، ويبين أنه ليس من آياته. (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) أي : يتقنها ، ويحررها ، ويحفظها ، فتبقى خالصة من مخالطة إلقاء الشيطان. (وَاللهُ عَلِيمٌ) (١) أي : كامل القوة والاقتدار. فبكمال قوته ، يحفظ وحيه ، ويزيل ما تلقيه الشياطين. (حَكِيمٌ) يضع الأشياء مواضعها ، فمن كمال حكمته ، مكّن الشياطين من الإلقاء المذكور ، ليحصل ما ذكره بقوله :
[٥٣] (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً) لطائفتين من الناس ، لا يبالي الله بهم. (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : ضعف وعدم إيمان تام ، وتصديق جازم ، فيؤثر في قلوبهم ، أدنى شبهة تطرأ عليها ، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان ، داخلهم الريب والشك ، فصار فتنة لهم. (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) أي : الغليظة ، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير ، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها ، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان ، جعلوه حجة لهم على باطلهم ، وجادلوا به وشاقّوا الله ورسوله ، ولهذا قال : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي : مشاقة لله ، ومعاندة للحق ، ومخالفة له ، بعيد من الصواب ، فما يلقيه الشيطان ، يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين ، فيظهر به ما في قلوبهم ، من الخبث الكامن فيها ، وأما الطائفة الثالثة ، فإنه يكون رحمة في حقها.
[٥٤] وهم المذكورون بقوله : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) وأن الله منحهم من العلم ، ما به يعرفون الحقّ من الباطل ، والرشد من الغي ، فيفرقون بين الأمرين ، الحقّ المستقر ، الذي يحكمه الله ، والباطل العارض الذي ينسخه الله ، بما على كلّ منهما من الشواهد ، وليعلموا أن الله حكيم ، يقيض بعض أنواع الابتلاء ، ليظهر بذلك كمائن النفوس الخيرة والشريرة. (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) بسبب ذلك ، ويزداد إيمانهم ، عند دفع المعارض والشبهة. (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) أي : تخشع وتخضع ، وتسلم لحكمته ، وهذا من هدايته إياهم. (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا) بسبب إيمانهم (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) علم بالحق ، وعمل بمقتضاه ، فيثبت الله الذين آمنوا ، بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وهذا النوع ، من تثبيت الله لعبده. وهذه الآيات ، فيها بيان أن للرسول صلىاللهعليهوسلم ، أسوة بإخوانه المرسلين ، لما وقع منه عند قراءته صلىاللهعليهوسلم (وَالنَّجْمِ) فلما بلغ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢٠) ألقى الشيطان في قراءته «تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى» فحصل بذلك للرسول حزن وللناس فتنة ، كما ذكر الله ، فأنزل الله هذه الآيات.
[٥٥] يخبر تعالى عن حالة الكفار ، وأنهم لا يزالون في شك ، مما جئتهم به ، يا محمد ، لعنادهم ، وإعراضهم ، وأنهم لا يبرحون مستمرين على هذه الحال (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي : مفاجأة (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) أي : لا خير فيه ، وهو يوم القيامة. فإذا جاءتهم الساعة ، أو أتاهم ذلك اليوم ، علم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ،
__________________
(١) في المطبوعة (عزيز) وعليه جرى التفسير وهو خطأ ، والصواب (عَلِيمٌ) كما في القرآن الكريم وهو ما أثبتناه.