اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً).
[٤١] ثمّ ذكر علامة من ينصره ، وبها يعرف ، أن من ادعى أنه ينصر الله ، وينصر دينه ، ولم يتصف بهذا الوصف ، فهو كاذب فقال : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : ملكناهم إياها ، وجعلناهم المتسلطين عليها ، من غير منازع ينازعهم ، ولا معارض. (أَقامُوا الصَّلاةَ) في أوقاتها ، وحدودها ، وأركانها ، وشروطها ، في الجمعة والجماعات. (وَآتَوُا الزَّكاةَ) التي عليهم ، خصوصا ، وعلى رعيتهم عموما ، آتوها أهلها ، الّذين هم أهلها. (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ) وهذا يشمل كلّ معروف حسنه شرعا وعقلا ، من حقوق الله ، وحقوق الآدميين. (وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) كل منكر شرعا وعقلا ، معروف قبحه ، والأمر بالشيء والنهي عنه ، يدخل فيه ، ما لا يتم إلا به ، فإذا كان المعروف والمنكر ، يتوقف على تعلم وتعليم ، أجبروا الناس على التعلم والتعليم ، وإذا كان يتوقف ، على تأديب مقدر شرعا ، أو غير مقدر ، كأنواع التعزير ، قاموا بذلك ، وإذا كان يتوقف على جعل أناس ، متصدين له ، لزم ذلك ، ونحو ذلك مما لا يتم الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، إلا به. (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي : جميع الأمور ، ترجع إلى الله ، وقد أخبر أن العاقبة للتقوى. فمن سلطه أي : على العباد ، من الملوك ، وقام بأمر الله ، كانت له العاقبة الحميدة ، والحالة الرشيدة. ومن تسلط عليهم ، بالجبروت ، وأقام فيهم هوى نفسه ، فإنه ، وإن حصل له ملك موقت ، فإن عاقبته غير حميدة ، فولايته مسؤومة ، وعاقبته مذمومة.
[٤٢] يقول تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : وإن يكذبك هؤلاء المشركون فلست بأول رسول كذب ، وليسوا بأول أمة ، كذبت رسولها. (فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) أي : قوم شعيب. (وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) المكذبين ، فلم أعاجلهم بالعقوبة بل أمهلتهم ، حتى استمروا في طغيانهم يعمهون ، وفي كفرهم وشرهم يزدادون. (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعذاب أخذ عزيز مقتدر (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ، أي : إنكاري عليهم كفرهم ، وتكذيبهم كيف حاله ، كان أشد العقوبات ، وأفظع المثلات. فمنهم من أغرقه ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من أهلك بالريح العقيم. ومنهم من خسف به الأرض ، ومنهم من أرسل عليه عذاب يوم الظلة ، فليعتبر بهم ، هؤلاء المكذبون ، أن يصيبهم ما أصابهم ، فإنهم ليسوا خيرا منهم ، ولا كتب لهم براءة في الكتب المنزلة من الله ، وكم من المعذبين المهلكين أمثال هؤلاء كثير ، ولهذا قال :
[٤٥] (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي : وكم من قرية (أَهْلَكْناها) بالعذاب الشديد ، والخزي الدنيوي. (وَهِيَ ظالِمَةٌ) بكفرها بالله وتكذيبها لرسله ، لم يكن عقوبتنا لها ، ظلما منا. (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) أي : فديارهم متهدمة ، قصورها ، وجدرانها ، قد سقطت على عروشها ، فأصبحت خرابا ، بعد أن كانت عامرة ، وموحشة بعد أن كانت آهلة بأهلها آنسة. (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) أي : وكم من بئر ، قد كان يزدحم عليها الخلق ، لشربهم ، وشرب مواشيهم ، ففقد أهلها ، وعدم منها الوارد والصادر. وكم من قصر ، تعب عليه أهله ، فشيدوه ، ورفعوه ،