منه أنهم كانوا قبل ممنوعين ، فأذن الله لهم بقتال الّذين يقاتلونهم ، وإنّما أذن لهم ، لأنهم ظلموا ، بمنعهم من دينهم ، وأذيتهم عليه ، وإخراجهم من ديارهم. (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) فليستنصروه ، وليستعينوا به.
[٤٠] ثمّ ذكر صفة ظلمهم فقال : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي : ألجئوا إلى الخروج ، بالأذية والفتنة (بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا) أن ذنبهم الذي نقم منهم أعداؤهم (أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) أي : إلا لأنهم وحّدوا الله ، وعبدوه مخلصين له الدين ، فإن كان هذا ذنبا ، فهو ذنبهم كقوله تعالى : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٨). وهذا يدل على حكمة الجهاد ، فإن المقصود منه ، إقامة دين الله ، أو ذبّ الكفار المؤذين للمؤمنين ، البادئين لهم بالاعتداء ، عن ظلمهم ، واعتدائهم ، والتمكن من عبادة الله ، وإقامة الشرائع الظاهرة. ولهذا قال : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) فيدفع الله بالمجاهدين في سبيله ، ضرر الكافرين. (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ) أي : لهدمت هذه المعابد الكبار ، لطوائف أهل الكتاب ، معابد اليهود ، والنصارى ، والمساجد للمسلمين. (يُذْكَرُ فِيهَا) أي : في هذه المعابد (اسْمُ اللهِ كَثِيراً) تقام فيها الصلوات ، وتتلى فيها كتب الله ، ويذكر فيها ، اسم الله ، بأنواع الذكر ، فلو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، لاستولى الكفار على المسلمين ، فخربوا معابدهم ، وفتنوهم عن دينهم ، فدل هذا ، أن الجهاد مشروع ، لأجل دفع الصائل والمؤذي ، ومقصود لغيره. ودل ذلك ، على أن البلدان ، التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله ، وعمرت مساجدها ، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها ، من فضائل المجاهدين وبركتهم ، فبذلك دفع الله عنها الكافرين قال الله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ). فإن قلت نرى الآن مساجد المسلمين عامرة لم تخرب ، مع أنها كثير منها إمارة صغيرة ، وحكومة غير منظمة ، مع أنهم لا بد لهم بقتال من جاورهم من الإفرنج. بل نرى المساجد التي تحت ولايتهم وسيطرتهم ، عامرة ، وأهلها آمنون مطمئنون ، مع قدرة ولاتهم ، من الكفار على هدمها والله أخبر أنه لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، لهدمت هذه المعابد ، ونحن لا نشاهد دفعا. أجيب ، بأن جواب هذا السؤال والاستشكال ، داخل في عموم هذه الآية ، وفرد من أفرادها. فإن من عرف أحوال الدول الآن ونظامها ، وأنها تعتبر كلّ أمة وجنس ، تحت ولايتها ، وداخل في حكمها ، تعتبره عضوا من أعضاء المملكة ، وجزءا من أجزاء الحكومة ، سواء كانت تلك الأمة مقتدرة بعددها أو عددها ، أو مالها ، أو علمها ، أو خدمتها. فتراعي الحكومات ، مصالح ذلك الشعب ، الدينية والدنيوية ، وتخشى إن لم تفعل ذلك ، أن يختل نظامها ، وتفقد بعض أركانها ، فيقوم من أمر الدين بهذا السبب ما يقوم ، خصوصا المساجد ، فإنها ـ ولله الحمد ـ في غاية الانتظام ، حتى في عواصم الدول الكبار. وتراعي تلك الدول ، الحكومات المستقلة ، نظرا لخواطر رعاياهم المسلمين مع وجود التحاسد والتباغض بين دول النصارى ، الذي أخبر الله أنه لا يزال إلى يوم القيامة ، فتبقى الحكومة المسلمة ، التي لا تقدر على أن تدافع عن نفسها ، سالمة من كثير ضررهم ، لقيام الحسد عندهم ، وفيما بينهم. فلا يقدر أحدهم ، أن يمد يده عليها ، خوفا من احتمائها بالآخر مع أن الله تعالى ، لا بد أن يري عباده من نصر الإسلام والمسلمين ، ما قد وعد به في كتابه. وقد ظهرت ولله الحمد ، أسبابه ، بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم إلى دينهم ، والشعور مبدأ العمل فنحمده ، ونسأله أن يتم نعمته. ولهذا قال في وعده الصادق المطابق للواقع : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) ، أي : يقوم بنصر دينه ، مخلصا له في ذلك ، يقاتل في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا. (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي : كامل القوة ، عزيز لا يرام ، قد قهر الخلائق ، وأخذ بنواصيهم. فأبشروا ، يا معشر المسلمين ، فإنكم ، وإن ضعف عددكم ، وعددكم وقوي عدد عدوكم ، فإن ركنكم ، القوي العزيز ، ومعتمدكم على من خلقكم وخلق ما تعملون ، فاعملوا بالأسباب المأمور بها ، ثمّ اطلبوا منه نصركم ، فلا بد أن ينصركم. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (٧) وقوموا ، أيها المسلمون ، بحق الإيمان والعمل الصالح ، فقد (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا