قلت. (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ) أي : متى وقت البعث ، الذي تزعمه على قولك؟ ولا إقرار منهم لأصل البعث ، بل ذلك سفه منهم ، وتعجيز. (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) فليس في تعيين وقته فائدة. وإنما الفائدة والمدار ، على تقريره ، والإقرار به ، وإثباته ، وإلا فكما هو آت ، فإنه قريب.
[٥٢] (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) للبعث والنشور ، وينفخ في الصور. (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) أي : تنقادون لأمره ، ولا تستعصون عليه. وقوله : (بِحَمْدِهِ) أي : هو المحمود تعالى ، على فعله ، ويجزي به العباد ، إذا جمعهم ليوم التناد. (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) من سرعة وقوعه ، وأن الذي مر عليكم من النعيم ، كأنه ما كان. فهذا الذي يقول عنه المنكرون : (مَتى هُوَ)؟ يندمون غاية الندم ، عند وروده ، ويقال لهم : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).
[٥٣] وهذا من لطفه بعباده ، حيث أمرهم بأحسن الأخلاق ، والأعمال ، والأقوال ، الموجبة للسعادة ، في الدنيا والآخرة فقال : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله ، من قراءة ، وذكر ، وعلم ، وأمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وكلام حسن لطيف ، مع الخلق ، على اختلاف مراتبهم ومنازلهم. وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين ، فإنه يأمر بإيثار أحسنهما ، إن لم يمكن الجمع بينهما. والقول الحسن ، داع لكل خلق جميل ، وعمل صالح ، فإن من ملك لسانه ، ملك جميع أمره. وقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) أي : يسعى بين العباد ، بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم. فدواء هذا ، أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها. وأن يلينوا فيما بينهم ، لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم ، فإنه عدوهم الحقيقي ، الذي ينبغي لهم أن يحاربوه ، فإنه يدعوهم (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ). وأما إخوانهم ، فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم ، وسعى في العداوة ، فإن الحزم كل الحزم ، السعي في ضد عدوهم ، وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء ، التي يدخل الشيطان من قبلها ، فبذلك يطيعون ربهم ، ويستقيم أمرهم ، ويهدون لرشدهم.
[٥٤] (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) من أنفسكم ، فلذلك لا يريد لكم إلا ما هو الخير ، ولا يأمركم إلا بما فيه مصلحة لكم ، وقد تريدون شيئا والخير في عكسه. (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) فيوفق من شاء لأسباب الرحمة ، ويخذل من شاء ، فيضل عنها ، فيستحق العذاب. (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) تدبر أمرهم ، وتقوم بمجازاتهم ، وإنما الله هو الوكيل ، وأنت مبلغ هاد إلى صراط مستقيم.
[٥٥] (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من جميع أصناف الخلائق ، فيعطي كلا منهم ما يستحقه ، وتقتضيه حكمته ، ويفضل بعضهم على بعض ، في جميع الخصال الحسية ، والمعنوية ، كما فضل بعض النبيين المشتركين بوحيه على بعض بالفضائل ، والخصائص الراجعة إلى ما منّ به عليهم ، من الأوصاف الممدوحة ، والأخلاق المرضية ، والأعمال الصالحة ، وكثرة الأتباع ، ونزول الكتب على بعضهم ، المشتملة على الأحكام الشرعية ، والعقائد المرضية.
كما أنزل على داود زبورا ، وهو الكتاب المعروف. فإذا كان تعالى قد فضل بعضهم على بعض ، وآتى بعضهم كتبا ، فلم ينكر المكذبون لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ما أنزله الله عليه وما فضله به من النبوة والكتاب.