[١٠٢] لما قص الله هذه القصة على محمد صلىاللهعليهوسلم قال الله له : (ذلِكَ) النبأ الذي أخبرناك به (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) ولو لا إيجاؤنا إليك ، لما وصل إليك هذا الخبر الجليل ، (وَ) أنك (ما كُنْتَ) حاضرا (لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) أي : إخوة يوسف (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) به ، حين تعاقدوا على التفريق بينه وبين أبيه ، في حالة لا يطلع عليها إلّا الله تعالى ، ولا يمكن أحدا أن يصل إلى علمها ، إلّا بتعليم الله له إياها. كما قال تعالى لما قص قصة موسى ، وما جرى له ، ذكر الحال التي لا سبيل للخلق إلى علمها إلّا بوحيه فقال : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٤٤) الآيات ، فهذا أدل دليل ، على أن ما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم حق وصدق.
[١٠٣] يقول تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ) على إيمانهم (بِمُؤْمِنِينَ) فإن مداركهم ومقاصدهم ، قد أصبحت فاسدة ، فلا ينفعهم حرص الناصحين عليهم ، ولو عدمت الموانع ، بأنهم كانوا يعلمونهم ، ويدعونهم إلى ما فيه الخير لهم ، ودفع الشر عنهم ، من غير أجر ولا عوض ، ولو أقاموا لهم من الشواهد والآيات الدالات على صدقهم ما أقاموا.
[١٠٤] ولهذا قال : (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (١٠٤) يتذكرون به ما ينفعهم ، ليفعلوه ، وما يضرهم ليتركوه.
[١٠٥] (وَكَأَيِّنْ) أي : وكم (مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها) دالة لهم على توحيد الله (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ).
[١٠٦] ومع هذا (وَ) إن وجد منهم بعض الإيمان (ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٠٦) ، فهم وإن أقروا بربوبية الله تعالى ، وأنه الخالق الرازق المدبر لجميع الأمور ، فإنهم يشركون في ألوهية الله وتوحيده ، فهؤلاء الّذين وصلوا إلى هذه الحال ، لم يبق عليهم إلّا أن يحل بهم العذاب ، ويفاجئهم العقاب وهم آمنون.
[١٠٧] ولهذا قال : (أَفَأَمِنُوا) أي : الفاعلون لتلك الأفعال ، المعرضون عن آيات الله (أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ) أي : عذاب ، يغشاهم ويعمهم ، ويستأصلهم ، (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي : فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي : فإنهم قد استوجبوا ذلك ، فليتوبوا إلى الله ، وليتركوا ما يكون سببا في عقابهم.
[١٠٨] يقول تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) للناس (هذِهِ سَبِيلِي) أي : طريقي ، التي أدعو إليها ، وهي السبيل الموصلة إلى الله ، وإلى دار كرامته ، المتضمنة للعلم بالحق ، والعمل به ، وإيثاره وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له ، (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) أي : أحثّ الخلق والعباد ، على الوصول إلى ربهم ، وأرهبهم في ذلك ، وأرغبهم مما يبعدهم عنه. ومع هذا ، فأنا (عَلى بَصِيرَةٍ) من ديني ، أي : على علم ويقين ، من غير شك ولا امتراء ، ولا مرية ، (أَنَا وَ) كذلك (مَنِ اتَّبَعَنِي) يدعو إلى الله ، كما أدعوه ، على بصيرة من أمره ، (وَسُبْحانَ اللهِ) عما ينسب إليه ، مما لا يليق بجلاله ، أو ينافي كماله. (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في جميع أموري ، بل أعبد الله ، مخلصا له الدين.