أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) أي : لعنة لا تنقطع ، لأن ظلمهم صار وصفا لهم ملازما ، لا يقبل التخفيف. ثمّ وصف ظلمهم فقال : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) فصدوا بأنفسهم عن سبيل الله ، وهي سبيل الرسل ، التي دعوا الناس إليها ، وصدوا غيرهم عنها ، فصاروا أئمة يدعون إلى النار. (وَيَبْغُونَها) أي : سبيل الله (عِوَجاً) أي : يجتهدون في ميلها ، وتشيينها ، وتهجينها ، لتصير عند الناس ، غير مستقيمة ، فيحسنون الباطل ويقبحون الحقّ ، قبحهم الله (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ). (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي : ليسوا فائتين الله ، لأنهم تحت قبضته ، وفي سلطانه. (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) فيدفعوا عنهم المكروه ، أو يحصلوا لهم ما ينفعهم ، بل تقطعت بهم الأسباب. (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) أي : يغلظ ويزداد ، لأنهم ضلوا بأنفسهم ، وأضلوا غيرهم. (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) أي : من بغضهم للحق ، ونفورهم عنه ، ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا بآيات الله ، سماعا ينتفعون به (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) (٥١) ، (وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) أي : ينظرون نظر عبرة وتفكر ، فيما ينفعهم ، وإنّما هم كالصم والبكم ، الّذين لا يعقلون.
[٢١] (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) حيث فوتوها أعظم الثواب ، واستحقوا أشد العذاب. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي اضمحل دينهم الذي يدعون إليه ويحسنونه ، ولم تغن عنهم آلهتهم التي يعبدون من دون الله ، لما جاء أمر ربك.
[٢٢] (لا جَرَمَ) أي : حقا وصدقا (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ). حصر الخسار فيهم ، بل جعل لهم منه أشده ، لشدة حسرتهم وحرمانهم وما يعانون من المشقة والعذاب ، فنستجير بالله من حالهم.
[٢٣ ـ ٢٤] ولما ذكر حال الأشقياء ، ذكر أوصاف السعداء ، وما لهم عند الله من الثواب ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) إلى قوله : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بقلوبهم ، أي : صدقوا واعترفوا ، لما أمر الله بالإيمان به ، من أصول الدين وقواعده. (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) المشتملة على أعمال القلوب والجوارح ، وأقوال اللسان. (وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) أي : خضعوا له ، واستكانوا لعظمته ، وذلوا لسلطانه ، وأنابوا إليه بمحبته ، وخوفه ، ورجائه ، والتضرع إليه. (أُولئِكَ) الّذين جمعوا تلك الصفات (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأنهم لم يتركوا من الخير مطلبا ، إلا أدركوه ، ولا خيرا ، إلا سبقوا إليه. (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) أي : فريق الأشقياء ، وفريق السعداء ، (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ) هؤلاء الأشقياء ، (وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) مثل السعداء. (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) لا يستويان مثلا ، بل بينهما من الفرق ما لا يأتي عليه الوصف ، (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) الأعمال التي تنفعكم ، فتفعلونها ، والأعمال التي تضركم ، فتتركونها.
[٢٥ ـ ٢٦] أي : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) أول المرسلين (إِلى قَوْمِهِ) يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الشرك فقال : (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : بينت لكم ما أنذرتكم به ، بيانا زال به الإشكال. (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي : أخلصوا