حالي ، ولكني جئتكم بآيات الله ، فكذبتم بها ، فتعين فيكم الظلم ، ولا بد أن أمركم سيضمحل ، ولن تنالوا الفلاح ، ما دمتم كذلك. ودل قوله : (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) الآية ، أن الذي حملهم على هذا التعنت ، الذي صدر منهم هو عدم إيمانهم بلقاء الله ، وعدم رجائه ، وأن من آمن بلقاء الله ، فلابد أن ينقاد لهذا الكتاب ، ويؤمن به ، لأنه حسن القصد.
[١٨] يقول تعالى : (وَيَعْبُدُونَ) أي : المشركون المكذبون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) أي : إن معبوداتهم ، لا تملك لهم مثقال ذرة ، من النفع ، ولا تدفع عنهم شيئا. (وَيَقُولُونَ) قولا خاليا من البرهان : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) أي : يعبدونهم ، ليقربوهم إلى الله ، ويشفعوا لهم عنده ، وهذا قول من تلقاء أنفسهم ، وكلام ابتكروه ، هم ، ولهذا قال تعالى ـ مبطلا لهذا القول ـ : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ، أي : الله تعالى هو العالم ، الذي أحاط علما بجميع ما في السموات والأرض ، وقد أخبركم بأنه ليس له شريك ولا إله معه ، أفأنتم ـ يا معشر المشركين ـ تزعمون أنه يوجد له فيها شركاء؟ ، أفتخبرونه بأمر خفي عليه ، وعلمتوه؟ أأنتم أعلم أم الله؟ فهل يوجد قول أبطل من هذا القول ، المتضمن أن هؤلاء الضلال الجهال السفهاء ، أعلم من رب العالمين؟ فليكتف العاقل بمجرد تصور هذا القول ، فإنه يجزم بفساده وبطلانه : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : تقدس وتنزه ، أن يكون له شريك أو نظير ، بل هو الله الأحد الفرد الصمد الذي لا إله في السموات والأرض إلا هو ، وكل معبود في العالم العلوي والسفلي سواه ، فإنه باطل عقلا وشرعا وفطرة. (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٦٢).
[١٩] أي : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) متفقين على الدين الصحيح ، ولكنهم اختلفوا ، فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بإمهال العاصين ، وعدم معاجلتهم بذنوبهم ، (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بأن ننجي المؤمنين ، ونهلك الكافرين المكذبين ، وصار هذا فارقا بينهم (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). ولكنه أراد امتحانهم ، وابتلاء ، بعضهم ببعض ، ليتبين الصادق من الكاذب.
[٢٠] (وَيَقُولُونَ) أي : المكذبون المتعنتون ، (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ). يعنون : آيات الاقتراح التي يعينونها ، كقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) الآيات. وكقولهم : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (٩٠) الآيات (٩٠ إلى ٩٣) من سورة الإسراء. (فَقُلْ) لهم إذا طلبوا منك آية (إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) أي : هو المحيط علما بأحوال العباد ، فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم ، وحكمته البديعة ، وليس لأحد تدبير في حكم ولا دليل ، ولا غاية ، ولا تعليل. (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ). أي : كل ينتظر بصاحبه ، ما هو أهل له ، فانظروا لمن تكون العاقبة.
[٢١] يقول تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ) كالصحة بعد المرض ، والغنى بعد الفقر ، والأمن