قدره ، وهو النار الحامية. ولهذا قال : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) لما آثروا ، ما يفنى على ما يبقى ، ولما فروا من المشقة الخفيفة المنقضية ، إلى المشقة الشديدة الدائمة.
[٨٢] قال تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) أي : فليتمتعوا في هذه الدار المنقضية ، ويفرحوا بلذاتها ، ويلهوا بلعبها ، فسيبكون كثيرا في عذاب أليم (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والنفاق ، وعدم الانقياد لأوامر ربهم.
[٨٣] (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) وهم الّذين تخلفوا من غير عذر ، ولم يحزنوا على تخلفهم. (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) لغير هذه الغزوة ، إذا رأوا السهولة. (فَقُلْ) لهم عقوبة (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) فسيغني الله عنكم. (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) وهذا كما قال تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، فإن المتثاقل المتخلف عن المأمور به عند انتهاز الفرصة ، لن يوفق له بعد ذلك ، ويحال بينه وبينه. وفيه أيضا تعزير لهم ، فإنه إذا تقرر عند المسلمين أن هؤلاء من الممنوعين من الخروج إلى الجهاد ، لمعصيتهم ، كان ذلك توبيخا لهم ، وعارا عليهم ونكالا أن يفعل أحد كفعلهم.
[٨٤] يقول تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ) من المنافقين (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) بعد الدفن ، لتدعو له ، فإن صلاته ، ووقوفه على قبورهم شفاعة منه لهم ، ولا تنفع فيهم الشفاعة. (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) ومن كان كافرا ومات على ذلك ، فما تنفعه شفاعة الشافعين ، وفي ذلك عبرة لغيرهم ، وزجر ، ونكال لهم ، وهكذا كل من علم منه الكفر والنفاق ، فإنه لا يصلى عليه. وفي هذه الآية دليل على مشروعية الصلاة على المؤمنين ، والوقوف عند قبورهم للدعاء لهم ، كما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يفعل ذلك في المؤمنين ، فإن تقييد الله بالمنافقين ، يدل على أنه قد كان متقررا في المؤمنين.
[٨٥] أي : لا تغتر بما أعطاهم الله في الدنيا من الأموال والأولاد ، فليس ذلك لكرامتهم عليه ، وإنّما ذلك إهانة منه لهم. (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا) فيتعبون في تحصيلها ، ويخافون من زوالها ، ولا يتهنّأون بها. بل لا يزالون يعانون الشدائد والمشاق فيها ، وتلهيهم عن الله والدار الآخرة ، حتى ينتقلوا من الدنيا (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) قد سلبهم حبها كل شيء ، فماتوا ، وقلوبهم بها متعلقة ، وأفئدتهم عليها متحرقة.
[٨٦] يقول تعالى : في بيان استمرار المنافقين على التثاقل عن الطاعات ، وأنها لا تؤثر فيهم السور والآيات : (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) يؤمرون فيها بالإيمان بالله ، والجهاد في سبيل الله. (اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ) يعني : أولي الغنى والأموال ، الّذين لا عذر لهم ، وقد أمدهم الله بأموال وبنين ، أفلا يشكرون الله ويحمدونه ، ويقومون بما أوجبه عليهم ، وسهل عليهم أمره ، ولكن أبوا إلا التكاسل ، والاستئذان في القعود (وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ).
[٨٧] قال تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) كيف رضوا لأنفسهم أن يكونوا مع النساء المتخلفات عن الجهاد ، هل معهم فقه أو عقل ، دلهم على ذلك؟ أم (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) فلا تعي الخير ، ولا يكون فيها إرادة لفعل ما فيه الخير والفلاح؟ فهم لا يفقهون مصالحهم ، فلو فقهوا حقيقة الفقه ، لم يرضوا لأنفسهم بهذه الحال ، التي تحطهم