والآيات الباهرة والسلطان الناصر. (وَاللهُ عَزِيزٌ) لا يغالبه مغالب ، ولا يفوته هارب. (حَكِيمٌ) يضع الأشياء مواضعها ، وقد يؤخر نصر حزبه إلى وقت آخر ، اقتضته الحكمة الإلهية. وفي هذه الآية الكريمة ، فضيلة أبي بكر الصديق ، بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الأمة ، وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة ، والصحبة الجميلة. وقد أجمع المسلمون على أنه هو المراد بهذه الآية الكريمة ، ولهذا عدوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي صلىاللهعليهوسلم ، كافرا لأنه منكر للقرآن الذي صرح بها. وفيها فضيلة السكينة ، وأنها من تمام نعمة الله على العبد ، في أوقات الشدائد والمخاوف ، التي تطيش لها الأفئدة ، وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه ، وثقته بوعده الصادق ، وبحسب إيمانه وشجاعته. وفيها : أن الحزن قد يعرض لخواص عباده الصديقين ، مع أن الأولى ـ إذا نزل بالعبد ـ أن يسعى في ذهابه عنه ، فإنه مضعف للقلب ، موهن للعزيمة.
[٤١] يقول تعالى لعباده المؤمنين ـ مهيجا لهم على النفير في سبيله ـ : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) في العسر واليسر ، والمنشط والمكره ، والحر والبرد ، وفي جميع الأحوال. (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : ابذلوا جهدكم في ذلك ، واستفرغوا وسعكم في المال والنفس ، وفي هذا دليل على أنه ـ كما يجب الجهاد في النفس ـ يجب في المال ، حيث اقتضت الحاجة ، ودعت لذلك. ثمّ قال : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي : الجهاد في النفس والمال ، خير لكم من التقاعد عن ذلك ، لأن فيه رضا الله تعالى ، والفوز بالدرجات العاليات عنده ، والنصر لدين الله ، والدخول جملة جنده وحزبه.
[٤٢] (لَوْ كانَ) خروجهم (عَرَضاً قَرِيباً) أي : لطلب عرض قريب ، ومنفعة دنيوية ، سهلة التناول (وَ) كان السفر (سَفَراً قاصِداً) أي : قريبا سهلا. (لَاتَّبَعُوكَ) لعدم المشقة الكثيرة ، (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) أي : طالت عليهم المسافة ، وصعب عليهم السفر ، فلذلك تثاقلوا عنك ، وليس هذا من أمارات العبودية ، بل العبد حقيقة ، هو المتعبد لربه في كل حال ، القائم بالعبادة السهلة والشاقة ، فهذا العبد لله على كل حال. (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) أي : سيحلفون لتخلفهم عن الخروج ، أن لهم عذرا ، وأنهم لا يستطيعون ذلك. (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) بالقعود والكذب والإخبار بغير الواقع ، (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). وهذا العتاب ، إنّما هو للمنافقين ، الّذين تخلفوا عن النبي صلىاللهعليهوسلم في «غزوة تبوك» وأبدوا من الأعذار الكاذبة ما أبدوا ، فعفا النبي صلىاللهعليهوسلم عنهم بمجرد اعتذارهم ، من غير أن يمتحنهم ، فيتبين له الصادق من الكاذب ، ولهذا عاتبه الله على هذه المسارعة إلى قبول اعتذارهم فقال : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) إلى قوله : (فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ).
[٤٣] يقول تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) أي : سامحك ، وغفر لك ما أجريت. (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) في التخلف (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) ، بأن تمتحنهم ، ليتبين لك الصادق من الكاذب ، فتعذر من يستحق العذر ، ممن لا يستحق ذلك.
[٤٤] ثمّ أخبر أن المؤمنين بالله واليوم الآخر ، لا يستأذنون في ترك الجهاد ، بأموالهم وأنفسهم ، لأن ما معهم