وقيض لهم من الأسباب ، ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها. وكان أصل خروجهم ليتعرضوا لعير خرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريش إلى الشام ، قافلة كبيرة. فلما سمعوا برجوعها من الشام ، ندب النبي صلىاللهعليهوسلم الناس ، فخرج معه ثلاث مئة ، وبضعة عشر رجلا ، معهم سبعون بعيرا ، يعتقبون عليها ، ويحملون عليها متاعهم. فسمعت بخبرهم قريش ، فخرجوا لمنع عيرهم ، في عدد كثير وعدد وافرة من السلاح ، والخيل والرجال ، يبلغ عددهم قريبا من الألف. فوعد الله المؤمنين ، إحدى الطائفتين ، إما أن يظفروا بالعير ، أو بالنفير ، فأحبوا العير لقلة ذات يد المسلمين ، ولأنها غير ذات الشوكة ، ولكن الله تعالى ، أحب لهم ، وأراد أمرا أعلى مما أحبوا. أراد أن يظفروا بالنفير ، الذي خرج فيه كبراء المشركين وصناديدهم ، (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) فينصر أهله (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) ، أي يستأصل أهل الباطل ، ويري عباده من نصره للحق أمرا لم يكن يخطر ببالهم.
[٨] (لِيُحِقَّ الْحَقَ) بما يظهر من الشواهد والبراهين على صحته وصدقه ، (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) بما يقيم من الأدلة والشواهد على بطلانه (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) فلا يبالي الله بهم.
[٩] أي : اذكروا نعمة الله عليكم لما قارب التقاؤكم بعدوكم ، استغثتم بربكم ، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم (فَاسْتَجابَ لَكُمْ) وأغاثكم بعدة أمور : منها : أن الله أمدكم (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) أي : يردف بعضهم بعضا.
[١٠] (وَما جَعَلَهُ اللهُ) أي إنزال الملائكة (إِلَّا بُشْرى) أي : لتستبشر بذلك نفوسكم ، (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) وإلا فالنصر بيد الله ، ليس بكثرة عدد ولا عدد. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يغالبه مغالب ، بل هو القهار ، الذي يخذل من بلغوا من الكثرة ، ومن العدد والآلات ، ما بلغوا. (حَكِيمٌ) حيث قدر الأمور بأسبابها ، ووضع الأشياء مواضعها.
[١١] ومن نصره واستجابته لدعائكم أن أنزل عليكم نعاسا (يُغَشِّيكُمُ) أي : فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل ، ويكون (أَمَنَةً) لكم ، وعلامة على النصر والطمأنينة. ومن ذلك أنه أنزل عليكم من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث ، وليطهركم من وساوس الشيطان ورجزه. (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) أي : يثبتها فإن ثبات القلب ، أصل ثبات البدن ، (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) فإن الأرض كانت سهلة دهسة فلما نزل عليها المطر ، تلبدت ، وثبتت به الأقدام.
[١٢] ومن ذلك أن الله أوحى إلى الملائكة (أَنِّي مَعَكُمْ) بالعون والنصر والتأييد. (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) أي : ألقوا في قلوبهم ، وألهموهم الجراءة على عدوهم ، ورغبوهم في الجهاد وفضله. (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) الذي هو أعظم جند لكم عليهم. فإن الله إذا ثبت المؤمنين ، وألقى الرعب في قلوب الكافرين ، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ، ومنحهم الله أكتافهم. (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) أي : على الرقاب (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَ