[١٣٧] (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) في الأرض ، أي : بني إسرائيل ، الذين كانوا خدمة لآل فرعون ، يسومونهم سوء العذاب أورثهم الله (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) والمراد بالأرض هاهنا ، أرض مصر ، التي كانوا فيها مستضعفين ، أذلين أي : ملكهم الله جميعا ، ومكنهم فيها (الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) حين قال لهم موسى : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) من الأبنية الهائلة ، والمساكن المزخرفة (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ، إن في ذلك لآية لقوم يعلمون.
[١٣٨ ـ ١٣٩] (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) بعد ما أنجاهم الله من عدوهم فرعون وقومه ، وأهلكهم الله ، وبنو إسرائيل ينظرون. (فَأَتَوْا) أي : مروا (عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) أي يقيمون عندها ويتبركون بها ، ويعبدونها. (قالُوا) من جهلهم وسفههم ، لنبيهم موسى ، بعد ما أراهم الله من الآيات ما أراهم : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) أي : اشرع لنا ، أن نتخذ أصناما آلهة ، كما اتخذها هؤلاء. (قالَ) لهم موسى : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وأي جهل أعظم من جهل الإنسان ربه وخالقه وأراد أن يسوي به غيره ، ممن لا يملك نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ، ولا حياة ، ولا نشورا؟. ولهذا قال لهم موسى : (إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٣٩) ، لأن دعاءهم إياها باطل ، وهي باطلة بنفسها ، فالعمل باطل ، وغايته باطلة.
[١٤٠] (قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً) أي : أطلب لكم إلها غير الله المألوه ، الكامل في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله. (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) فيقتضي أن تقابلوا فضله ، وتفضيله بالشكر ، وذلك بإفراد الله وحده بالعبادة ، والكفر بما يدعى من دونه.
[١٤١ ـ ١٤٢] ثم ذكرهم بما امتن الله به عليهم فقال : (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي : من فرعون وآله ، (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) أي : يوجهون إليكم من العذاب أسوأه ، وهو أنهم كانوا (يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ) أي : النجاة من عذابهم (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) أي : نعمة جليلة ، ومنحة جزيلة ، أو في ذلك العذاب الصادر منهم لكم ، بلاء من ربكم عليكم عظيم ، فلما ذكرهم موسى ووعظهم ، انتهوا عن ذلك. ولما أتم الله نعمته عليهم ، بالنجاة من عدوهم ، وتمكينهم في الأرض ، أراد تبارك وتعالى ، أن يتم نعمته عليهم ، بإنزال الكتاب الذي فيه الأحكام الشرعية ، والعقائد المرضية. فواعد موسى ثلاثين ليلة ، وأتمها بعشر ، فصارت أربعين ليلة ، ليستعد موسى ، ويتهيأ لوعد الله ، ويكون لنزولها ، موقع كبير لديهم ، وتشوق إلى إنزالها. ولما ذهب موسى إلى ميقات ربه قال لهارون موصيا له على بني إسرائيل من حرصه عليهم وشفقته : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) أي : كن خليفتي فيهم ، واعمل فيهم ، بما كنت أعمل ، (وَأَصْلِحْ) أي : اتبع طريق الصلاح (وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) وهم الذين يعملون بالمعاصي.