عليه ، وأن الله تعالى ثبتهم على الإيمان. هذا ، وفرعون وملؤه وعامتهم المتبعون للملأ ، قد استكبروا عن آيات الله ، وجحدوا بها ، ظلما وعلوا ، وقالوا لفرعون مهيجين له على الإيقاع بموسى ، وزاعمين أن ما جاء به باطل وفساد : (أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالدعوة إلى الله ، وإلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، التي هي الصلاح في الأرض ، وما هم عليه هو الفساد ، ولكن الظالمين لا يبالون بما يقولون. (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) أي : يدعك أنت وآلهتك ، وينهى عنك ، ويصد الناس عن اتباعك. (قالَ) فرعون مجيبا لهم ، بأنه سيدع بني إسرائيل مع موسى ، بحالة لا ينمون فيها ، ويأمن فرعون وقومه ـ بزعمه ـ من ضررهم : (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) أي : نستبقيهن فلا نقتلهن ، فإذا فعلنا ذلك ، أمنا من كثرتهم ، وكنا مستخدمين لباقيهم ، ومسخرين لهم على ما نشاء من الأعمال. (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) لا خروج لهم عن حكمنا ، ولا قدرة ، وهذا نهاية الجبروت والعتو والقسوة من فرعون.
[١٢٨] (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) موصيا لهم في هذه الحالة ، التي لا يقدرون معها على شيء ، ولا مقاومة إلا بالمقاومة الإلهية ، والاستعانة الربانية : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ) أي : اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم ، ودفع ما يضركم ، وثقوا بالله ، أنه سيتم أمركم (وَاصْبِرُوا) أي : الزموا الصبر على ما يحل بكم ، منتظرين للفرج. (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) ليست لفرعون ولا لقومه ، حتى يتحكموا فيها. (يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي : يداولها بين الناس ، على حسب مشيئته وحكمته ، ولكن العاقبة للمتقين ، فإنهم ـ وإن امتحنوا مدة ابتلاء من الله وحكمه ـ فإن النصر لهم ، (وَالْعاقِبَةُ) الحميدة (لِلْمُتَّقِينَ) على قومهم. وهذه وظيفة العبد ، أنه عند القدرة ، أن يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير ، ما يقدر عليه ، وعند العجز ، أن يصبر ويستعين الله ، وينتظر الفرج.
[١٢٩] (قالُوا) لموسى متضجرين من طول ما مكثوا في عذاب فرعون ، وأذيته : (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) فإنهم كانوا يسوموننا سوء العذاب ، يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) كذلك. (قالَ) لهم موسى ، مرجيا لهم بالفرج والخلاص من شرهم : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : يمكنكم فيها ، ويجعل لكم التدبير فيها (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) هل تشكرون أم تكفرون؟. وهذا وعد ، أنجزه الله ، لما جاء الوقت الذي أراده الله.
[١٣٠ ـ ١٣١] قال الله تعالى في بيان ما عامل به آل فرعون في هذه المدة الأخيرة ، أنها على عادته وسنته في الأمم ، أن يأخذهم بالبأساء والضراء ، لعلهم يضرعون. الآيات : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) أي : بالدهور والجدب ، (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي : يتعظون أن ما حل بهم وأصابهم ، معاتبة من الله لهم ، لعلهم يرجعون عن كفرهم ، فلم ينجع فيهم ولا أفاد ، بل استمروا على الظلم والفساد.
[١٣٢] (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) أي : الخصب وإدرار الرزق ، (قالُوا لَنا هذِهِ) أي : نحن مستحقون لها ، فلم يشكروا الله عليها. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي : قحط وجدب (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) أي : يقولوا : إنما جاءنا ،