[٦٤] فلم يفد فيهم ، ولا نجح (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) أي : السفينة التي أمر الله نوحا عليهالسلام بصنعها ، وأوحى إليه أن يحمل من كل صنف من الحيوانات ، زوجين اثنين وأهله ، ومن آمن معه ، فحملهم فيها ونجاهم الله بها. (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) عن الهدى ، أبصروا الحقّ ، وأراهم الله ـ على يد نوح ـ من الآيات البينات ، ما به يؤمن أولو الألباب ، فسخروا منه ، واستهتروا به ، وكفروا.
[٦٥] أي : (وَ) أرسلنا (إِلى عادٍ) الأولى ، الّذين كانوا في أرض اليمن ، (أَخاهُمْ) في النسب (هُوداً) عليهالسلام ، يدعوهم إلى التوحيد ، وينهاهم عن الشرك والطغيان في الأرض. (قالَ) لهم : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) سخطه وعذابه ، إن أقمتم على ما أنتم عليه ، فلم يستجيبوا ولا انقادوا.
[٦٦] (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) رادين لدعوته ، قادحين في رأيه (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي : ما نراك إلا سفيها غير رشيد ، ويغلب على ظننا ، أنك من جملة الكاذبين. وقد انقلبت عليهم الحقيقة ، واستحكم عماهم ، حيث ذموا نبيهم ، عليهالسلام ، بما هم متصفون به ، وهو أبعد الناس عنه ، فإنهم السفهاء حقا ، الكاذبون. وأي : سفه أعظم ممن قابل أحق الحقّ ، بالرد والإنكار ، وتكبر عن الانقياد للمرشدين والنصحاء ، وانقاد قلبه وقالبه ، لكل شيطان مريد ، ووضع العبادة في غير موضعها ، فعبد من لا يغني عنه شيئا من الأشجار ، والأحجار؟ وأي كذب ، أبلغ من كذب ، من نسب هذه الأمور إلى الله تعالى؟
[٦٧ ـ ٦٨] (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ) بوجه من الوجوه ، بل هو الرسول ، المرشد الرشيد ، (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ). (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) (٦٨). فالواجب عليكم أن تتلقوا ذلك بالقبول والانقياد ، وطاعة رب العباد.
[٦٩] (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ) أي : كيف تعجبون من أمر ، لا يتعجب منه ، وهو أن الله أرسل إليكم رجلا منكم تعرفون أمره ، يذكركم بما فيه مصالحكم ، ويحثكم على ما فيه النفع لكم ، فتعجبتم من ذلك تعجب المنكرين. (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) أي : واحمدوا ربكم واشكروه ، إذ مكن لكم في الأرض ، وجعلكم تخلفون الأمم الهالكة ، الّذين كذبوا الرسل ، فأهلكهم الله وأبقاكم ، لينظر كيف تعملون ، واحذروا أن تقيموا على التكذيب ، كما أقاموا ، فيصيبكم ما أصابهم. (وَ) اذكروا نعمة الله عليكم ، التي خصكم بها ، وهي أن (زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) في القوة ، وكبر الأجسام ، وشدة البطش ، (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) أي : نعمه الواسعة ، وأياديه المتكررة ، (لَعَلَّكُمْ) إذا ذكرتموها بشكرها ، وأداء حقها (تُفْلِحُونَ) أي : تفوزون بالمطلوب ، وتنجون من المرهوب ، فوعظهم ، وذكرهم ، وأمرهم بالتوحيد ، وذكر لهم وصف نفسه ، وأنه ناصح أمين ، وحذرهم أن يأخذهم الله كما أخذ من قبلهم ، وذكرهم ، نعم الله عليهم وإدرار الأرزاق إليهم ، فلم ينقادوا ، ولا استجابوا.