تفتدي بكل فداء ، ولو بملء الأرض ذهبا (لا يُؤْخَذْ مِنْها) أي : لا يقبل ولا يفيد. (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر (الَّذِينَ أُبْسِلُوا) أي : أهلكوا وأيسوا من الخير ، وذلك (بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) أي : ماء حار ، قد انتهى حره ، يشوي وجوههم ، ويقطع أمعاءهم (وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ).
[٧١] (قُلْ) يا أيها الرسول للمشركين بالله ، الداعين معه غيره ، الّذين يدعونكم إلى دينهم ، مبينا وشارحا لوصف آلهتهم ، التي يكتفي العاقل بذكر وصفها ، عن النهي عنها. فإن كل عاقل إذا تصور مذهب المشركين ، جزم ببطلانه ، قبل أن تقام البراهين على ذلك ، فقال : (أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا). وهذا وصف ، يدخل فيه ، كل من عبد من دون الله ، فإنه لا ينفع ولا يضر ، وليس له من الأمر شيء ، إن الأمر إلا لله. (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ) أي : ننقلب بعد هداية الله لنا إلى الضلال ، ومن الرشد إلى الغي ، ومن الصراط الموصل إلى جنات النعيم ، إلى الطرق التي تفضي بسالكها إلى العذاب الأليم. فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد ، وصاحبها (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ) أي : أضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه ، الموصل إلى مقصده. فبقي (حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) والشياطين يدعونه إلى الردى ، فبقي بين الداعيين حائرا. وهذه حال الناس كلهم ، إلا من عصمه الله تعالى ، فإنهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة ، دواعي الرسالة والعقل الصحيح ، والفطرة المستقيمة. (يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) والصعود إلى أعلى عليين. ودواعي الشيطان ، ومن سلك مسلكه ، والنفس الأمّارة بالسوء ، يدعونه إلى الضلال ، والنزول إلى أسفل سافلين. فمن الناس من يكون مع دواعي الهدى ، في أموره كلها أو أغلبها. ومنهم من بالعكس من ذلك. ومنهم من يتساوى لديه الداعيان ، ويتعارض عنده الجاذبان. وفي هذا الموضع ، تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة. وقوله : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) أي : ليس الهدى إلا الطريق التي شرعها الله على لسان رسوله ، وما عداه فهو ضلال وردى وهلاك. (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) بأن ننقاد لتوحيده ، ونستسلم لأوامره ونواهيه ، وندخل تحت عبوديته. فإن هذا أفضل نعمة أنعم الله بها على العباد ، وأكمل تربية أوصلها إليهم.
[٧٢] (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي : وأمرنا أن نقيم الصلاة بأركانها وشروطها وسننها ومكملاتها. (وَاتَّقُوهُ) بفعل ما أمر به ، واجتناب ما عنه نهى. (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي : تجمعون ليوم القيامة ، فيجازيكم بأعمالكم ، خيرها وشرها.
[٧٣] (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) ليأمر العباد وينهاهم ، ويثيبهم ويعاقبهم. (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ) الذي لا مرية فيه ولا مثنوية ، ولا يقول شيئا عبثا. (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أي : يوم القيامة خصه بالذكر ـ مع أنه مالك كل شيء ـ لأنه تنقطع فيه الأملاك ، فلا يبقى ملك إلا الله الواحد القهار. (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) الذي له الحكمة التامة ، والنعمة السابغة ، والإحسان العظيم ، والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه.