وزر يثقلهم ، ولا يقدرون على التخلص منه ، ولهذا خلدوا في النار ، واستحقوا التأبيد في غضب الجبار.
[٣٢] أما حقيقة الدنيا : فإنها لعب ولهو ، لعب في الأبدان ، ولهو في القلوب. فالقلوب لها والهة ، والنفوس لها عاشقة ، والهموم فيها متعلقة ، والاشتغال بها ، كلعب الصبيان. وأما الآخرة ، فإنها (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) في ذاتها وصفاتها ، وبقائها ودوامها. وفيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، من نعيم القلوب والأرواح ، وكثرة السرور والأفراح. ولكنها ليست لكل أحد ، وإنّما هي للمتقين ، الّذين يفعلون أوامر الله ، ويتركون نواهيه وزواجره. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي : أفلا يكون لكم عقول ، بها تدركون ، أي الدارين أحق بالإيثار.
[٣٣] أي : قد نعلم أن الذي يقول المكذبون فيك ، يحزنك ويسوؤك. ولم نأمرك بما أمرناك به من الصبر ، إلا لتحصل لك المنازل العالية والأحوال الغالية. فلا تظن أن قولهم ، صادر عن اشتباه في أمرك ، وشك فيك. (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) لأنهم يعرفون صدقك ، ومدخلك ومخرجك ، وجميع أحوالك ، حتى إنهم كانوا يسمونه ـ قبل بعثته ـ الأمين. (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) أي : فإن تكذيبهم لآيات الله ، التي جعلها الله على يديك.
[٣٤] (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا). فاصبر كما صبروا ، تظفر كما ظفروا. (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) ما به يثبت فؤادك ، ويطمئن به قلبك.
[٣٥] (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) أي : شق عليك ، من حرصك عليهم ، ومحبتك لإيمانهم ، فابذل وسعك في ذلك ، فليس في مقدورك ، أن تهدي من لم يرد الله هدايته. (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ) أي : فافعل ذلك ، فإنه لا يفيدهم شيئا. وهذا قطع لطمعه في هداية أشباه هؤلاء المعاندين. (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ولكن حكمته تعالى ، اقتضت أنهم يبقون على الضلال. (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) الّذين لا يعرفون حقائق الأمور ، ولا ينزلونها على منازلها.
[٣٦] يقول تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ) لدعوتك ، ويلبي رسالتك ، وينقاد لأمرك ونهيك (الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) بقلوبهم ، ما ينفعهم وهم أولو الألباب والأسماع. والمراد بالسماع هنا : سماع القلب والاستجابة ، وإلا فمجرد سماع الأذن ، يشترك فيه البر والفاجر. فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى ، باستماع آياته ، فلم يبق لهم عذر ، في عدم القبول. (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) يحتمل أن المعنى ، مقابل للمعنى المذكور. أي : إنّما يستجيب لك أحياء القلوب. وأما أموات القلوب ، الّذين لا يشعرون بسعادتهم ، ولا يحسون بما ينجيهم ، فإنهم لا يستجيبون لذلك ، ولا ينقادون ، وموعدهم يوم القيامة ، يبعثهم الله ، ثمّ إليه يرجعون. ويحتمل أن المراد بالآية ، على ظاهرها ، وأن الله تعالى يقرر المعاد ، وأنه سيبعث الأموات يوم القيامة ثمّ ينبئهم بما كانوا يعملون. ويكون هذا ، متضمنا للترغيب في الاستجابة ، لله ورسوله ، والترهيب من عدم ذلك.
[٣٧] (وَقالُوا) أي : المكذبون بالرسول ، تعنتا وعنادا : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ). يعنون بذلك ، آيات الاقتراح ، التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة ، وآرائهم الكاسدة. كقولهم : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) الآيات. (قُلْ) مجيبا لقولهم : (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) فليس في قدرته قصور عن ذلك. كيف ، وجميع الأشياء منقادة لعزته ، مذعنة لسلطانه؟ (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فهم ـ لجهلهم وعدم علمهم ـ يطلبون ما هو شر لهم من الآيات ، التي لو جاءتهم ، فلم يؤمنوا بها ـ لعوجلوا بالعقاب ، كما هي سنّة الله ، التي لا تبديل لها. ومع هذا ، فإن كان قصدهم ، الآيات التي تبين لهم الحقّ ، وتوضح السبيل. فقد أتى محمد صلىاللهعليهوسلم ، بكل آية قاطعة ، وحجة ساطعة ، دالة على ما جاء به من الحقّ ، بحيث يتمكن العبد في كل مسألة من مسائل الدين ، أن يجد فيما جاء به ، عدة أدلة عقلية ونقلية ، بحيث لا يتبقى في القلوب ، أدنى شك وارتياب. فتبارك الذي أرسل