ويدعو جميع
المبطلين ، من الكفار والمشركين ، والملحدين ، بذكر محاسن الدين ، وأنه يهدي للتي
هي أقوم ، في عقائده ، وأخلاقه ، وأعماله ، وبيان ما لله من العظمة والربوبية ،
والنعم العظيمة. وأن من تفرد بالكمال المطلق ، والنعم كلها ، هو الذي لا تصلح
العبادة إلا له ، وأن ما عليه المبطلون ، إذ ميز وحقق ، وجد شرا وباطلا ، وعواقبه
وخيمة.
ومن أصول
التفسير ، إذا فهمت ما دلت عليه الآيات الكريمة ، من المعاني ، مطابقة ، وتضمنا.
فاعلم أن لوازم هذه المعاني ، وما لا تتم إلا به ، وشروطها وتوابعها ، تابعة لذلك
المعنى ، فما لا يتم الخبر إلا به ، فهو تابع للخبر ، وما لا يتم الحكم إلا به ،
فهو تابع للحكم ، وأن الآيات التي يفهم منها التعارض والتناقض ، ليس فيها تناقض
ولا تعارض ، بل يجب حمل كل منها ، على الحالة المناسبة اللائقة بها. وأن حذف
المتعلقات ، من مفعولات وغيرها ، يدل على تعميم المعنى ، لأن هذا من أعظم فوائد
الحذف ، وأنه لا يجوز حذف ما لا يدل عليه السياق اللفظي ، والقرينة الحالية. كما
أن الأحكام المقيدة ، بشروط أو صفات ، تدل على أن تلك القيود لا بد منها في ثبوت
الحكم.
إذا أمر الله
بشيء ، كان ناهيا عن ضده ، وإذا نهى عن شيء ، كان آمرا بضده ، وإذا أثنى على نفسه
؛ بنفي شيء من النقائص ؛ كان إثباتا للكمال المنافي لذلك النقص. وكذلك إذا أثنى
على رسله وأوليائه ؛ ونزههم عن شيء من النقائص فهو مدح لهم بما يضاد ذلك النقص.
ومثله ؛ نفي النقائص ، عن دار النعيم ؛ يدل على إثبات ضد ذلك.
ومن الكليات ؛
أنه إذا وضح الحق وظهر ظهورا جليا ؛ لم يبق للمجادلات العلمية ؛ والمعارضات
العملية محل ؛ بل تبطل المعارضات ؛ وتضمحل المجادلات.
ما نفاه القرآن
؛ فإما أن يكون غير موجود ؛ أو أنه موجود ؛ ولكنه غير مفيد ولا نافع.
الموهوم ؛ لا
يدفع المعلوم ، والمجهول ؛ لا يعارض المحقق ؛ وما بعد الحق إلا الضلال.
ذكر الله في
القرآن ؛ الإيمان والعمل الصالح في مواضع كثيرة ؛ ورتب عليهما من الجزاء العاجل
والآجل ، والآثار الحميدة ، شيئا كثيرا ، فالإيمان هو : التصديق الجازم ، بما أمر
الله ورسوله بالتصديق به ، المتضمن لأعمال الجوارح.
والعمل الصالح
هو : القيام بحقوق الله ، وحقوق عباده ، وكذلك أمر الله بالتقوى ، ومدح المتقين ،
ورتب على التقوى حصول الخيرات ، وزوال المكروهات. والتقوى الكاملة ، امتثال أمر
الله ، وأمر رسوله ، واجتناب نهيهما وتصديق خبرهما.
وإذا جمع الله
بين التقوى والبر ونحوه ؛ كانت التقوى اسما لتوقي جميع المعاصي ، والبر ، اسما
لفعل الخيرات. وإذا أفرد أحدهما ، دخل فيه الآخر.
وذكر الله
الهدى المطلوب في مواضع كثيرة ، وأثنى على المهتدي وأخبر أن الهدى بيده ، وأمرنا
بطلبه منه ، وبالسعي في كل سبب يحصل الهدى ، وذلك شامل لهداية العلم والعمل.
فالمهتدي ، من
عرف الحق ، وعمل به ، وضده الغي والضلال ، فمن عرف الحق ولم يعمل به ، فهو الغاوي
، ومن جهل الحق ، فهو الضال.
أمر الله
بالإحسان ، وأثنى على المحسنين ، وذكر ثوابهم المتنوع ، في آيات كثيرة. وحقيقة
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك ، وأن تبذل ما
تستطيعه من النفع المالي ، والبدني ، والقولي ،