بيان أحكام الرد على
أصحاب الفرائض
وبعكس هذه
الطريقة بعينها ، يعلم (الرد). فإن أهل الفروض ـ إذا لم تستغرق فروضهم التركة ،
وبقي شيء ليس له مستحق ، من عاصب قريب ولا بعيد ، فإن رده على أحدهم ، ترجيح بغير
مرجح ، وإعطاؤه غيرهم ، ممن ليس بقريب للميت ، جنف وميل ، ومعارضة لقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ
أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فتعين أن يرد على أهل الفروض ، بقدر فروضهم.
حكم
الرد على الزوجين في الميراث : وما كان الزوجان ، ليسا من القرابة ، لم يستحقا
الزيادة على فرضهم المقدر عند القائلين ، بعدم الرد عليهما. وأما على القول الصحيح
أن حكم الزوجين ، حكم باقي الورثة في الرد ، فالدليل المذكور ، شامل للجميع ، كما
شملهم دليل العول.
حكم
ذوي الأرحام في الميراث : وبهذا يعلم أيضا ميراث ذوي الأرحام. فإن الميت إذا لم يخلف صاحب فرض ،
ولا عاصبا ، وبقي الأمر دائرا بين كون ماله يكون لبيت المال ، لمنافع الأجانب ،
وبين كون ماله يرجع إلى أقربائه المدلين بالورثة ، المجمع عليهم ، تعين الثاني.
ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَأُولُوا
الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). فصرفه لغيرهم ، ترك لمن هو أولى من غيره ، فتعين توريث
ذوي الأرحام. وإذا تعين توريثهم ، فقد علم أنه ليس لهم نصيب مقدّر بأعيانهم في
كتاب الله. وأن بينهم وبين الميت وسائط ، صاروا ـ بسببها ـ من الأقارب.
فينزلون منزلة
من أدلوا به من تلك الوسائط. والله أعلم.
بيان
من هم عصبة الميت وحكمهم في الميراث : وأما (ميراث بقية العصبة) كالبنوة والإخوة وبنيهم
والأعمام وبنيهم إلخ فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر».
وقال تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا
مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ). فإذا الحقنا الفروض بأهلها ، ولم يبق شيء ، لم يستحق
العاصب شيئا. وإن بقي شيء ، أخذه أولي العصبة ، بحسب جهاتهم ، ودرجاتهم.
جهات
العصبة : فإن جهات
العصوبة خمس : البنوة ، ثم الأبوة ، ثم الأخوة وبنوهم ، ثم العمومة وبنوهم ، ثم
الولاء ، ويقدّم منهم الأقرب جهة. فإن كانوا في جهة واحدة ، فالأقرب منزلة. فإن
كانوا بمنزلة واحدة ، فالأقوى ، وهو الشقيق. فإن تساووا من كل وجه ، اشتركوا.
والله أعلم. وأما كون الأخوات لغير أم ، مع البنات ، أو بنات الابن عصبات ، يأخذن
ما فضل عن فروضهن ، فلأنه ليس في القرآن ، ما يدل على أن الأخوات يسقطن بالبنات.
فإذا كان الأمر
كذلك ، وبقي شيء بعد أخذ البنات فرضهن ، فإنه يعطى للأخوات ، ولا يعدل عنهن إلى
عصبة أبعد منهن ، كابن الأخ والعم ، ومن هو أبعد منهم. والله أعلم.
[١٣] أي : تلك
التفاصيل التي ذكرها في المواريث ، حدود الله ، التي يجب الوقوف معها ، وعدم
مجاوزتها ، ولا القصور عنها. وفي ذلك دليل ، على أن الوصية للوارث منسوخة ،
بتقديره تعالى أنصباء الوارثين. ثم قوله تعالى :
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ
فَلا تَعْتَدُوها) فالوصية للوارث ، بزيادة على حقه ، يدخل في هذا التعدي
، مع قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا وصية لوارث». ثم ذكر طاعة الله ورسوله ،
ومعصيتهما ، عموما ، ليدخل في العموم ، لزوم حدوده في الفرائض ، أو ترك ذلك فقال :
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ
وَرَسُولَهُ) بامتثال أمرهما ، الذي أعظمه ، طاعتهما في التوحيد ، ثم
الأوامر على اختلاف درجاتها ، واجتناب نهيهما ، الذي أعظمه الشرك بالله ، ثم
المعاصي على اختلاف طبقاتها (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها). فمن أدى الأوامر ، واجتنب النواهي ، فلا بد له من دخول
الجنة ، والنجاة من النار. (وَذلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ) الذي حصل به النجاة ، من سخطه وعذابه ، والفوز بثوابه
ورضوانه ، بالنعيم المقيم ، الذي لا يصفه الواصفون.
[١٤] (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ). إلخ ويدخل في اسم المعصية ، الكفر فما دونه من
المعاصي. فلا يكون فيها