أي : قد حق عليهم سخط الله ، ووجب عليهم عقابه ، وحرموا ثوابه ، ومنعوا من
التزكية ، وهي التطهير. بل يردون القيامة ، وهم متلوثون بالجرائم ، متدنسون
بالذنوب العظائم.
[٧٨] أي : وإن
من أهل الكتاب فريقا هم محرفون لكتاب الله ، (يَلْوُونَ
أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ) ، وهذا يشمل التحريف اللفظي ، والتحريف المعنوي. ثم هم
ـ مع هذا التحريف الشنيع ـ يوهمون أنه من الكتاب ، وهم كذبة في ذلك ، ويصرحون
بالكذب على الله ، وهم يعلمون حالهم وسوء مغبتهم.
[٧٩ ـ ٨٠] أي :
يمتنع ويستحيل كل الاستحالة لبشر منّ الله عليه بالوحي والكتاب والنبوة ، وأعطاه
الحكم الشرعي ـ أن يأمر الناس بعبادته ، وبعبادة النبيين والملائكة واتخاذهم
أربابا ، لأن هذا هو الكفر ، فكيف ، وقد بعث بالإسلام المنافي للكفر من كل وجه ،
فكيف يأمر بضده؟ هذا هو الممتنع ، لأن حاله وما هو عليه ، وما منّ الله به عليه من
الفضائل والخصائص ، تقتضي العبودية الكاملة ، والخضوع التام لله الواحد القهار.
وهذا جواب لوفد نجران ، حين تمادى بهم الغرور ، ووصلت بهم الحال والكبر ، أن قالوا
: أتأمرنا ـ يا محمد ـ أن نعبدك؟ حين أمرهم بعبادة الله وطاعته ، فبين الباري
انتفاء ما قالوا ، وأن كلامهم وكلام أمثالهم في هذا ظاهر البطلان.
[٨١ ـ ٨٢] هذا
إخبار منه تعالى أنه أخذ عهد النبيين وميثاقهم كلهم ، بسبب ما أعطاهم ومنّ به
عليهم ، من الكتاب والحكمة ، المقتضي للقيام التام ، بحق الله وتوفيته ، أنه إن
جاءهم رسول مصدق لما معهم ، بما بعثوا به من التوحيد والحق والقسط والأصول التي
اتفقت عليها الشرائع ، أنهم يؤمنون به ، وينصرونه. فأقروا على ذلك ، واعترفوا ،
والتزموا ، وأشهدهم ، وشهد عليهم ، وتوعد من خالف هذا الميثاق. وهذا أمر عام بين
الأنبياء أن جميعهم طريقهم واحد ، وأن دعوة كل واحد منهم ، قد اتفقوا وتعاقدوا
عليها ، وعموم ذلك أنه أخذ على جميعهم الميثاق ، بالإيمان ، والنصرة لمحمد صلىاللهعليهوسلم. فمن ادعى أنه من أتباعهم ، فهذا دينهم الذي أخذه الله
عليهم ، وأقروا به واعترفوا. فمن تولى عن اتباع محمد ، ممن يزعم أنه من أتباعهم ،
فإنه فاسق خارج عن طاعة الله ، مكذب للرسول الذي يزعم أنه من أتباعه ، مخالف
لطريقه. وفي هذا إقامة الحجة والبرهان ، على كل من لم يؤمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم من أهل الكتب والأديان ، وأنه لا يمكنهم الإيمان برسلهم
، الذين يزعمون أنهم أتباعهم ، حتى يؤمنوا بإمامهم وخاتمهم صلىاللهعليهوسلم.
[٨٣ ـ ٨٥] قد
تقدم في سورة البقرة أن هذه الأصول التي هي أصول الإيمان التي أمر الله بها هذه
الأمة ، قد اتفقت عليها الكتب والرسل ، وأنها هي الغرض الموجه لكل أحد ، وأنها هي
الدين والإسلام الحقيقي ، وأن من ابتغى غيرها ، فعمله مردود ، وليس له دين يعول
عليه. فمن زهد عنه ، ورغب عنه ، فأين يذهب؟ إلى عبادة الأشجار والأحجار والنيران؟
أو إلى اتخاذ الأحبار والرهبان والصلبان ، أو إلى التعطيل لرب العالمين؟ أو إلى
الأديان الباطلة ، التي هي وجه الشيطان؟ وهؤلاء كلهم ـ في الآخرة ـ من الخاسرين.
[٨٦ ـ ٨٨] يعني
: أنه يبعد كل البعد ، أن يهدي الله قوما عرفوا الإيمان ، ودخلوا فيه ، وشهدوا أن
الرسول