تقديم
الشيخ عبد الرحمن بن
معلا اللويحق
الأستاذ بكلية
الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الحمد لله ،
نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله
، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد :
فإن القرآن
الكريم عمدة الملة ، وينبوع الحكمة ، لا اهتداء إلا باتباعه ، والضلال مرهون
بالإعراض عنه :
(فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيامَةِ أَعْمى) (١٢٤).
ولذلك كان
لزاما على مبتغي الهداية ، أن يديم الصلة به تلاوة وعملا ، وتدبرا وفهما :
(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ
إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢٩).
والتدبر سبيل
من سبل أهل الإيمان ، تزداد به معارفهم ، وتصلح به ظواهرهم وبواطنهم ، وقاصد تدبر
القرآن الكريم يحتاج إلى النظر في كلام أهل العلم ، وقراءة ما كتبوا في تفسير
القرآن الكريم ، فقد بسطوا ألفاظ القرآن ، الوجيزة في مبانيها العظيمة في معانيها.
فأبانوا ما قد يعسر على القارئ فهمه ، وفصلوا ما جاء من القواعد العامة والكليات ،
ودفعوا ما قد يتوهم من تعارض ، وأوضحوا الحذف الذي اقتضته بلاغة المتكلم به سبحانه
، وعينوا المعنى المراد من اللفظ المحتمل. وسلكوا في ذلك مناهج متعددة ، مغترفين
جميعا من بحار علوم القرآن ما فتح الله عليهم به. فمنهم من اعتنى بتفسير القرآن
بالآثار ، ومنهم من اعتنى بآيات الأحكام ، ومنهم الملتفت لجوانب البلاغة واللغة في
الكتاب العزيز ، في جملة أخرى من المناهج.
ولقد سلك شيخ
مشايخنا العلامة : عبد الرحمن بن ناصر السعدي من ذلك منهجا أبان عنه في صدر تفسيره
المسمى : «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» إذ يقول : (... وقد كثرت
تفاسير الأئمة رحمهمالله لكتاب الله ، فمن مطول خارج في أكثر بحوثه عن المقصود ،
ومن مقتصر يقتصر على حلّ بعض الألفاظ اللغوية بقطع النظر عن المراد. وكان الذي
ينبغي في ذلك أن يجعل المعنى هو المقصود ، واللفظ وسيلة إليه ..
ولما منّ
الباري عليّ وعلى إخواني بالاشتغال بكتابه العزيز ، بحسب الحال اللائقة بنا ،
أحببت أن أرسم من تفسير كتاب الله ما تيسر ، وما منّ به الله علينا ، ليكون تذكرة
للمحصلين ، وآلة للمستبصرين ، ومعونة للسالكين ، ولأقيده خوف الضياع ، ولم يكن
قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود ، ولم أشتغل في حل الألفاظ والعقود
للمعنى الذي ذكرت ، ولأن المفسرين كفوا من بعدهم ...).