جهله وعدوانه ، قدرة الله على خلق عظامه التي هي عماد البدن ، فرد عليه بقوله :
[٤] (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (٤) ، أي : أطراف أصابعه وعظامه ، وذلك مستلزم لخلق جميع أجزاء البدن ، لأنها إذا وجدت الأنامل والبنان ، فقد تمت خلقة الجسد ، وليس إنكاره لقدرة الله تعالى قصورا بالدليل الدال على ذلك ، وإنما وقع ذلك منه ، لأن إرادته وقصده ، التكذيب بما أمامه من البعث. والفجور : الكذب مع التعمد.
[٧] ثمّ ذكر أحوال القيامة فقال : (فَإِذا بَرِقَ) ، إلى : (مَعاذِيرَهُ). أي : (فَإِذا) كانت القيامة (بَرِقَ الْبَصَرُ) من الهول العظيم ، وشخص فلا يطرف كما قال تعالى : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (٤٣).
[٨] (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) (٨) ، أي : ذهب نوره وسلطانه.
[٩] (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (٩) وهما لم يجتمعا منذ خلقهما الله تعالى ، فيجمع الله بينهما يوم القيامة ، ويخسف القمر ، وتكور الشمس ، ويقذفان في النار ، ليرى العباد ، أنهما عبدان مسخران ، وليرى من عبدهما ، أنهم كانوا كاذبين.
[١٠] (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ) ، أي :
حين يرى تلك القلاقل المزعجات : (أَيْنَ الْمَفَرُّ)؟ أي : أين الخلاص والفكاك ، مما طرقنا وألمّ بنا؟
[١١] (كَلَّا لا وَزَرَ) (١١) ، أي : لا ملجأ لأحد دون الله.
[١٢] (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) (١٢) لسائر العباد ، فليس في إمكان أحد ، أن يستتر أو يهرب عن ذلك الموضع ، بل لا بد من إيقافه ، ليجزى بعمله.
[١٣] ولهذا قال : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (١٣) ، أي : بجميع عمله الحسن والسيّء ، في أول وقته وآخره ، وينبأ بخبر لا ينكره.
[١٤] (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١٤) ، أي : شاهد ومحاسب.
[١٥] (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) فإنها معاذير لا تقبل ، بل يقرر بعمله ، فيقرّ به ، كما قال تعالى : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤). فالعبد وإن أنكر ، أو اعتذر عما عمله ، فإنكاره واعتذاره ، لا يفيدانه شيئا ، لأنه يشهد عليه سمعه وبصره ، وجميع جوارحه بما كان يعمل ، ولأن استعتابه ، قد ذهب وقته ، وزال نفعه : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٥٧).
[١٦] كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا جاءه جبريل بالوحي ، وشرع في تلاوته ، بادره النبي صلىاللهعليهوسلم ، من الحرص قبل أن يفرغ ، وتلاه مع تلاوة جبريل إياه ، فنهاه الله عن ذلك ، وقال : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ). وقال هنا : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (١٦) ، ثمّ ضمن له تعالى ، أنه لا بد أن يحفظه ويقرأه ، ويجمعه الله في صدره فقال :
[١٧] (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (١٧) فالحرص الذي في خاطرك ، إنما الداعي له حذر الفوات والنسيان ، فإذا ضمنه الله لك ، فلا موجب لذلك.
[١٨] (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (١٨) ، أي : إذا أكمل جبريل ما يوحى إليك ، فحينئذ اتبع ما قرأه فاقراه.
[١٩] (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) ، أي : بيان معانيه ، فوعده بحفظ لفظه ، وحفظ معانيه ، وهذا أعلى ما يكون ، فامتثل صلىاللهعليهوسلم لأدب ربه ، فكان إذا تلا عليه جبريل القرآن بعد هذا ، أنصت له ، فإذا فرغ قرأه. وفي هذه الآية ، أدب لأخذ العلم ، أن لا يبادر المتعلم للعلم ، قبل أن يفرغ المعلم من المسألة التي شرع فيها ، فإذا فرغ