عبد ليس لي من الأمر والتصرف شيء.
[٢٢] (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) أي : لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب الله. وإذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق ، لا يملك ضرا ولا رشدا ، ولا يمنع نفسه من الله شيئا ، إن أراده بسوء ، فغيره من الخلق ، من باب أولى وأحرى. (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ، أي : ملجأ ومنتصرا
[٢٣] (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) ، أي : ليس لي مزية على الناس ، إلا أن الله خصني بإبلاغ رسالاته ودعوة خلقه إليه ، وبذلك تقوم الحجة على الناس. (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ، وهذا المراد به المعصية الكفرية ، كما قيدتها النصوص الأخر المحكمة. وأما مجرد المعصية ، فإنه لا يوجب الخلود في النار ، كما دلت على ذلك آيات القرآن ، والأحاديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأجمع عليه سلف الأمة ، وأئمة هذه الآمة.
[٢٤] (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) ، أي : شاهدوه عيانا ، وجزموا أنه واقع بهم. (فَسَيَعْلَمُونَ) في ذلك الوقت حقيقة المعرفة (مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) حين لا ينصرهم غيرهم ، ولا أنفسهم ينتصرون ، وإذ يحشرون فرادى كما خلقوا أول مرة.
[٢٥] (قُلْ) لهم إن سألوك فقالوا : (مَتى هذَا الْوَعْدُ)؟ (إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) ، أي : غاية طويلة ، فعلم ذلك ، عند الله.
[٢٦] (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) (٢٦) من الخلق ، بل انفرد بعلم الضمائر والأسرار ، والغيوب.
[٢٧] (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ، أي : فإنه يخبره بما اقتضت حكمته ، أن يخبره به. وذلك لأن الرسل ، ليسوا كغيرهم ، فإن الله أيدهم بتأييد ما أيده أحدا من الخلق ، وحفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه على حقيقته ، من غير أن تقربه الشياطين ، فيزيدوا فيه أو ينقصوا ، ولهذا قال : (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) ، أي : يحفظونه بأمر الله.
[٢٨] (لِيَعْلَمَ) بذلك (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) بما جعله لهم من الأسباب. (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) ، أي : بما عندهم ، وما أسروه وما أعلنوه. (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً). وفي هذه السورة فوائد عديدة : منها : وجود الجن ، وأنهم مأمورون منهيون ، ومجازون بأعمالهم ، كما هو صريح في هذه السورة. ومنها : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مبعوث إلى الجن ، كما هو مبعوث إلى الإنس ، فإن الله صرف نفرا من الجن ، ليستمعوا ما يوحى إليه ، ويبلغوا قومهم. ومنها : ذكاء الجن ، ومعرفتهم بالحق ، وأن الذي ساقهم إلى الإيمان هو ما تحققوه من هداية القرآن ، وحسن أدبهم في خطابهم. ومنها : اعتناء الله برسوله ، وحفظه لما جاء به. فحين ابتدأت بشائر نبوته ، والسماء محروسة بالنجوم ، والشياطين قد هربت من أماكنها ، وأزعجت عن مراصدها ، وأن الله رحم به أهل الأرض رحمة ما يقدر لها قدر ، وأراد بهم ربهم رشدا ، فأراد أن يظهر من دينه وشرعه ، ومعرفته في الأرض ، ما تبتهج به القلوب ، وتفرح به أولو الألباب ، وتظهر به شعائر الإسلام ، وينقمع به أهل الأوثان والأصنام. ومنها : شدة حرص الجن على استماعهم للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وتراكمهم عليه. ومنها : أن هذه السورة ، قد اشتملت على الأمر بالتوحيد والنهي عن