بل دخل في ذلك نفسه المقدسة ، على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم ، وأن الرسول الكريم ، بلغه عن الله تعالى. ونزه الله رسوله ، عما رماه به أعداؤه ، من أنه شاعر أو ساحر ، وأن الذي حملهم على ذلك ، عدم إيمانهم وتذكرهم ، فلو آمنوا وتذكروا ، علموا ما ينفعهم ويضرهم.
[٤٣] ومن ذلك ، أن ينظروا في حال محمد صلىاللهعليهوسلم ، ويرمقوا أوصافه وأخلاقه ، ليروا أمرا مثل الشمس ، يدلهم على أنه رسول الله حقا ، وأن ما جاء به (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٣) ، لا يليق أن يكون قولا للبشر ، بل هو كلام دال على عظمة من تكلم به ، وجلالة أوصافه ، وكمال تربيته للخلق ، وعلوه فوق عباده. وأيضا ، فإن هذا ظن منهم بما لا يليق بالله وحكمته.
[٤٤ ـ ٤٦] (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) ، وافترى (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) الكاذبة ، (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) (٤٦) ، وهو عرق متصل بالقلب ، إذا انقطع هلك منه الإنسان. فلو قدر أن الرسول ـ حاشا وكلا ـ تقوّل على الله ، لعاجله بالعقوبة ، وأخذه أخذ عزيز مقتدر ، لأنه حكيم ، قدير على كلّ شيء. فحكمته تقتضي أن لا يمهل الكاذب عليه ، الذي يزعم أن الله أباح له دماء من خالفه وأموالهم ، وأنه هو وأتباعه لهم النجاة ، ومن خالفه فله الهلاك. فإذا كان الله قد أيد رسوله بالمعجزات ، وبرهن على صدق ما جاء به بالآيات البينات ، ونصره على أعدائه ، ومكنه من نواصيهم ، فهو أكبر شهادة منه على رسالته.
[٤٧] وقوله : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (٤٧) ، أي : لو أهلكه ، ما امتنع هو بنفسه ، ولا قدر أحد أن يمنعه من عذاب الله.
[٤٨] (وَإِنَّهُ) ، أي : القرآن الكريم (لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم ، فيعرفونها ويعملون عليها ، يذكرهم العقائد الدينية ، والأخلاق المرضية ، والأحكام الشرعية ، فيكونون من العلماء الربانيين ، والعباد العارفين ، والأئمة المهديين.
[٤٩] (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) (٤٩) به ، وهذا فيه تهديد ، ووعيد للمكذبين ، وأنه سيعاقبهم على تكذيبهم ، بالعقوبة البليغة.
[٥٠] (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) (٥٠) فإنهم لما كفروا به ، ورأوا ما وعدهم به ، تحسروا إذ لم يهتدوا به ، ولم ينقادوا لأمره ، ففاتهم الثواب ، وحصلوا على أشد العذاب ، وتقطعت بهم الأسباب.
[٥١] (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) (٥١) ، أي : أعلى مراتب العلم ، فإن أعلى مراتب العلم : اليقين ، وهو : العلم الثابت ، الذي لا يتزلزل ، ولا يزول. واليقين مراتبه ثلاث ، كل واحدة أعلى مما قبلها : أولها : علم اليقين ، وهو : العلم المستفاد من الخبر. ثمّ عين اليقين ، وهو : العلم المدرك بحاسة البصر. ثمّ حق اليقين ، وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة. وهذا القرآن بهذا الوصف ، فإن ما فيه من العلوم المؤيدة بالبراهين القطعية ، وما فيه من الحقائق والمعارف الإيمانية ، يحصل به لمن ذاقه حق اليقين.
[٥٢] (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٥٢) ، أي : نزهه عما لا يليق بجلاله ، وقدّسه بذكر أوصاف جلاله ، وجماله ، وكماله. تم تفسير سورة الحاقة ـ والحمد لله رب العالمين.