الإيمان بالله ، والانقياد لآياته ، أهانهم بالعذاب السرمدي ، الذي لا يفتّر عنهم ساعة ، ولا هم ينظرون.
[١٧] (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) ، أي : لا تدفع عنهم شيئا من العذاب ، ولا تحصل لهم قسطا من الثواب. (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) الملازمون لها ، الّذين لا يخرجون عنها. (هُمْ فِيها خالِدُونَ) ومن عاش على شيء ، مات عليه.
[١٨] فكما أن المنافقين في الدنيا يموهون على المؤمنين ، ويحلفون لهم أنهم مؤمنين ، فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعا ، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين ، ويحسبون في حلفهم هذا أنهم على شيء ، لأن كفرهم ، ونفاقهم ، وعقائدهم الباطلة ، لم تزل ترسخ في أذهانهم شيئا فشيئا ، حتى غرتهم وظنوا أنهم على شيء يعتد به ، ويعلق عليه الثواب ، وهم كاذبون في ذلك. ومن المعلوم أن الكذب لا يروج على عالم الغيب والشهادة.
[١٩] وهذا الذي جرى عليهم من استحواذ الشيطان الذي استولى عليهم ، وزين لهم أعمالهم ، وأنساهم ذكر الله ، وهو العدو المبين ، الذي لا يريد بهم إلا الشر ، (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ). (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) ، الّذين خسروا دينهم ودنياهم وأهليهم.
[٢٠ ـ ٢١] هذا وعد ووعيد ، وعيد لمن حادّ الله ورسوله بالكفر والمعاصي ، أنه مخذول مذلول ، لا عاقبة له حميدة ، ولا راية له منصورة. ووعد ، لمن آمن به ، وبرسله ، واتبع ما جاء به المرسلون ، فصار من حزب الله المفلحين ، أن لهم الفتح والنصر والغلبة ، في الدنيا والآخرة ، وهذا وعد لا يخلف ، ولا يغيّر ، فإنه من الصادق القوي العزيز ، الذي لا يعجزه شيء يريده.
[٢٢] يقول تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، أي : لا يجتمع هذا وهذا ، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة ، إلا كان عاملا على مقتضى إيمانه ولوازمه ، من محبة من قام بالإيمان وموالاته ، وبغض من لم يقم به ومعاداته ، ولو كان أقرب الناس إليه. وهذا هو الإيمان على الحقيقة ، الذي وجدت ثمرته ، والمقصود منه. وأهل هذا الوصف هم الّذين كتب الله في قلوبهم الإيمان ، أي : رسمه وثبّته ، وغرسه غرسا ، لا يتزلزل ، ولا تؤثر فيه الشبه والشكوك. وهم الّذين قواهم الله بروح منه ، أي : بوحيه ومعرفته ومدده الإلهي ، وإحسانه الرباني. وهم الّذين لهم الحياة الطيبة في هذه الدار ، ولهم جنات النعيم في دار القرار ، الّتي فيها كلّ ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وتختار ، ولهم أفضل النعيم وأكبره ، وهو أن الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا ، ويرضون عن ربهم بما يعطيهم من أنواع الكرامات ، ووافر المثوبات ، وجزيل الهبات ، ورفيع الدرجات بحيث لا يرون فوق ما أعطاهم مولاهم غاية ، ولا وراءه نهاية. وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر ، وهو مع ذلك موادّ لأعداء الله ، محب لمن نبذ الإيمان وراء ظهره ، فإن هذا إيمان زعميّ ، لا حقيقة له ، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه ، فمجرد الدعوى لا تفيد شيئا ، ولا يصدق صاحبها. تم تفسير سورة المجادلة ـ والحمد لله.