هاجروا الديار والأوطان ، ثم مدح الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان ، ثم ذكر التابعين بإحسان ، وما يستحقونه من النعيم في الجنان ، عقب ذلك بذكر المنافقين ، وما أسروه من الكفر والعصيان فقال : (أَلَمْ تَرَ) يا محمد (إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) فأبطنوا الكفر ، وأظهروا الإيمان (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ) في الكفر (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني يهود بني النضير (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) من دياركم وبلادكم (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) مساعدين لكم (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ) أي في قتالكم ومخاصمتكم (أَحَداً أَبَداً) يعنون محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه. ووعدوهم النصر بقولهم (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) أي لندفعن عنكم. ثم كذبهم الله في ذلك بقوله : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما يقولونه من الخروج معهم ، والدفاع عنهم. ثم أخبر سبحانه أنهم يخلفونهم ما وعدوه من النصر والخروج بقوله : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) أي ولئن قدر وجود نصرهم ، لأن ما نفاه الله تعالى لا يجوز وجوده (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) أي ينهزمون ويسلمونهم. وقيل معناه : لئن نصرهم من يفي منهم لولوا الإدبار. فعلى هذا لا تنافي بين قوله (لا يَنْصُرُونَهُمْ) وقوله (لَئِنْ نَصَرُوهُمْ) فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية ، عما لا يكون منهم أن لو كان ، كيف كان يكون. (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أي ولو كان لهم هذه القوة ، وفعلوا ، لم ينتفع أولئك بنصرتهم. نزلت الآية قبل إخراج بني النضير ، وأخرجوا بعد ذلك ، وقوتلوا ، فلم يخرج معهم منافق ، ولم ينصروهم كما أخبر الله تعالى بذلك. وقيل : أراد بقوله (لِإِخْوانِهِمُ) بني النضير ، وبني قريظة ، فأخرج بنو النضير ، ولم يخرجوا معهم ، وقوتل بنو قريظة فلم ينصروهم. ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً) أي خوفا (فِي صُدُورِهِمْ) أي في قلوب هؤلاء المنافقين (مِنَ اللهِ) المعنى أن خوفهم منكم ، أشد من خوفهم من الله ، لأنهم يشاهدونكم ، ويعرفونكم ، ولا يعرفون