غوى وغوت أمّته ، وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمّته. فأخذت اللّبن فشربت منه ، فقال جبرئيل : هديت وهديت أمّتك. ثمّ قال لي : ماذا رأيت في مسيرك؟ قلت : ناداني مناد عن يميني. فقال لي : أو أجبته؟ فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه. فقال : ذلك داعي اليهود ، لو أجبته لتهوّدت أمّتك من بعدك. ثمّ قال : ماذا رأيت؟ قلت : ناداني مناد عن يساري. فقال : أو أجبته؟ فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه. فقال : ذلك داعي النصارى ، لو أجبته لتنصّرت أمتك من بعدك. ثمّ قال : ماذا استقبلك؟ فقلت : لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها ، عليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : يا محمّد ، انظرني حتى أكلّمك. فقال لي : أفكلّمتها؟ فقلت : لم أكلّمها ، ولم ألتفت إليها. فقال : تلك الدنيا ، ولو كلّمتها لاختارت أمّتك الدنيا على الآخرة. ثمّ سمعت صوتا أفزعني ، فقال لي جبرئيل : أتسمع ، يا محمّد؟ قلت : نعم. قال : هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنّم منذ سبعين سنة ، فهذا حين استقرّت.
قالوا : فما ضحك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى قبض.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السّماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له : إسماعيل ، وهو صاحب الخطفة التي قال الله عزوجل : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ)(١) وتحته سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك ، فقال : يا جبرئيل ، من هذا الذي معك؟ فقال : محمد رسول الله. قال : وقد بعث؟ قال : نعم. ففتح الباب ، فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالأخ [الناصح والنبيّ] الصالح. وتلقّتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا ، فما لقيني ملك إلّا ضاحكا مستبشرا حتّى لقيني ملك من الملائكة ، لم أر خلقا أعظم منه ، كريه
__________________
(١) الصافات : ١٠.