فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤)
____________________________________
[١٥] وقد استمر سليمان في ذلك الجلال والملك ، حتى جاءه الموت (فَلَمَّا قَضَيْنا) أي حكمنا (عَلَيْهِ) أي على سليمان عليهالسلام (الْمَوْتَ) كان قد اتكى على عصاه في قبة ، وهو ينظر إلى الجن كيف يصنعون له ، إذ حانت منه التفاتة ، فإذا هو برجل معه في القبة ، ففزع منه ، فقال له : من أنت؟ قال : أنا الذي لا أقبل الرشا ، ولا أهاب الملوك ، أنا ملك الموت ، فقبض روحه ، وهو متكئ على عصاه ، فمكثت الجن ، تدأب في العمل ، ولما كانوا رأوا من سليمان العجائب ، ظنوا أنه واقف ، ولكنه لا يتحرك لحكمة وعلة ، حتى بعث الله عزوجل الأرضة ، ف (ما دَلَّهُمْ) أي أرشدهم وأعلمهم (عَلى مَوْتِهِ) أي موت سليمان عليهالسلام (إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) أي الأرضة ، فأخذت (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) وتنخر فيها ، فوقع سليمان على الأرض ، وقد كان آصف وصيه يدبّر أمر الملك في مدة موته واتكائه (فَلَمَّا خَرَّ) أي فلما سقط سليمان ، بعد ما وهت عصاه ، بفعل الأرضة فتكسرت ، لثقل جسم سليمان عليها (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) أي علمت الأجنة ، وإنما أوتى بالفعل مؤنثا ، باعتبار أن المراد ب «الجن» الجنس ، فهي بمعنى الجماعة (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) أي ما غاب عن الحواس ـ فقد كانت الجن تزعم ، أنها تعلم الغيب ، لما كانت تعلم بعض ما لا يعلمه الإنس من الأشياء البعيدة الخفية ـ (ما لَبِثُوا) وبقوا تلك المدة التي مات فيها سليمان متكئا على عصاه (فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) أي في شدة العمل وتعبه الذي يهينهم ويذلّهم فإن العمل كان عذابا عليهم ، وشدة لهم.