(أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ(٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٥٧)
٥٦ ـ (أَنْ تَقُولَ) لئلّا تقول (نَفْسٌ) إنما نكّرت لأنّ المراد بها بعض الأنفس ، وهي نفس الكافر ، ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم ، ويجوز أن يراد التكثير (يا حَسْرَتى) الألف بدل من ياء اللمتكلّم ، وقرىء : يا حسرتي على الأصل ، ويا حسرتاي على الجمع بين العوض والمعوّض منه (عَلى ما فَرَّطْتُ) قصّرت ، وما مصدرية مثلها في : (بِما رَحُبَتْ) (١) (فِي جَنْبِ اللهِ) في أمر الله ، أو في طاعة الله ، أو في ذاته ، وفي حرف عبد الله في ذكر الله ، والجنب الجانب يقال : أنا في جنب فلان وجانبه (٢) ، وفلان ليّن الجنب والجانب (٣) ، ثم قالوا : فرّط في جنبه وفي جانبه يريدون في حقّه ، وهذا من باب الكناية لأنّك إذا أثبتّ الأمر في مكان الرجل وحيّزه فقد أثبتّه فيه ، ومنه الحديث : (من الشرك الخفي أن يصلي الرجل لمكان الرجل ، أي لأجله) (٤) وقال الزّجّاج : معناه فرّطت (٥) في طريق الله وهو توحيده والإقرار بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) المستهزئين. قال قتادة : لم يكفه أن ضيّع طاعة الله حتى سخر من أهلها ، ومحلّ وإن كنت النصب على الحال كأنه قال. فرّطت وأنا ساخر ، أي فرّطت في حال سخريّتي.
٥٧ ـ (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) أي أعطاني الهداية (لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) من الذين يتّقون الشرك. قال الشيخ الإمام أبو منصور رحمهالله تعالى : هذا الكافر أعرف بهداية الله من المعتزلة ، وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لأتباعهم : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) (٦) يقولون : لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه ، ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا ، والمعتزلة يقولون : بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا ، والحاصل أنّ عند الله لطفا من أعطي ذلك اهتدى ، وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضلّ وغوى ، وكان استيجابه (٧) العذاب وتضييعه الحقّ بعد ما مكّن من تحصيله لذلك.
__________________
(١) التوبة ، ٩ / ٢٥ و ١١٨.
(٢) في (ظ) و (ز) زاد وناحيته.
(٣) في (ظ) و (ز) الجانب والجنب.
(٤) أحمد وإسحاق والبزار والحاكم والبيهقي.
(٥) في (ز) فرط.
(٦) إبراهيم ، ١٤ / ٢١.
(٧) في (ز) استحبابه.