(قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ) (٥١)
ويستبشرون بذكر الآلهة ، فإذا مسّ أحدهم ضرّ دعا من اشمأزّ عن ذكره (١) دون من استبشر بذكره وما بينهما من الآي اعتراض ، فإن قلت حقّ الاعتراض أن يؤكد المعترض بينه وبينه ، قلت ما في الاعتراض من دعاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ربّه بأمر من الله ، وقوله : أنت تحكم بين عبادك. ثم ما عقبه من الوعيد العظيم تأكيد لإنكار اشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى الله في الشدائد دون آلهتهم كأنه قيل : قل يا ربّ لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترئون عليك مثل هذه الجرأة إلا أنت ، وقوله : ولو أنّ للذين ظلموا ، متناول لهم أو لكلّ ظالم إن جعل عاما ، أو إياهم خاصة إن عنيتهم به ، كأنه قيل : ولو أنّ لهؤلاء الظالمين ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به حين أحكم (٢) عليهم بسوء العذاب ، وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة وما هي إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها بالواو نحو قام زيد وقعد عمرو ، وبيان وقوعها مسببة أنك تقول : زيد يؤمن بالله فإذا مسّه ضرّ التجأ إليه ، فهذا تسبيب ظاهر ، ثم تقول : زيد كافر بالله فإذا مسّه ضرّ التجأ إليه ، فتجيء بالفاء مجيئك بها ثمة ، كأن الكافر حين التجأ إلى الله التجاء المؤمن إليه مقيم كفره مقام الإيمان في جعله سببا في الالتجاء.
٥٠ ـ (قَدْ قالَهَا) هذه المقالة ، وهي قوله إنما أوتيته على علم (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قارون وقومه حيث قال : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) وقومه راضون بها ، فكأنهم قالوها ، ويجوز أن يكون في الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من متاع الدنيا وما يجمعون منها.
٥١ ـ (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي جزاء سيئات كسبهم ، أو سمّى جزاء السيئة سيئة للازدواج كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٣) (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا) كفروا (مِنْ هؤُلاءِ) أي من مشركي قومك (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي سيصيبهم مثل ما أصاب أولئك ، فقتل صناديدهم ببدر وحبس عنهم الرزق فقحطوا سبع سنين (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) بفائتين من عذاب الله.
ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين فقيل لهم :
__________________
(١) في (ظ) و (ز) بذكره.
(٢) في (ز) حكم.
(٣) الشورى ، ٤٢ / ٤٠.