وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (٤٨) فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (٤٩)
(يَحْتَسِبُونَ) وظهر لهم من سخط الله وعذابه ما لم يكن قط في حسابهم (١) ولم يحدّثوا (٢) به نفوسهم ، وقيل عملوا أعمالا حسبوها حسنات فإذا هي سيئات ، وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال : ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء. وجزع محمد بن المنكدر (٣) عند موته ، فقيل له ، فقال : أخشى آية من كتاب الله وتلاها ، فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسبه.
٤٨ ـ (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي سيئات أعمالهم التي كسبوها ، أو سيئات كسبهم حين تعرض صحائفهم (٤) وكانت خافية عليهم ، أو عقاب ذلك (وَحاقَ بِهِمْ) ونزل بهم وأحاط (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) جزاء هزئهم (٥).
٤٩ ـ (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ) أعطيناه (٦) تفضّلا ، يقال خوّلني إذا أعطاك على غير جزاء (نِعْمَةً مِنَّا) ولا تقف عليه لأنّ جواب إذا (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) مني أني سأعطاه لما فيّ من فضل واستحقاق ، أو على علم مني بوجوه الكسب ، كما قال قارون : (عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (٧) وإنما ذكّر الضمير في أوتيته وهو للنعمة نظرا إلى المعنى ، لأنّ قوله نعمة منا شيئا من النعمة وقسما منها ، وقيل ما في إنما موصولة لا كافة فيرجع الضمير إليها ، أي إنّ الذي أوتيته على علم (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) إنكار له كأنه قال ما خوّلناك من النعمة لما تقول بل هي فتنة أي ابتلاء وامتحان لك أتشكر أم تكفر ، ولمّا كان الخبر مؤنثا أعني فتنة ساغ تأنيث المبتدإ لأجله ، وقرىء بل هو فتنة على وفق إنما أوتيته (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنها فتنة ، والسبب في عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها في أول السورة بالواو أنّ هذه وقعت مسببة عن قوله وإذا ذكر الله وحده اشمأزّت على معنى أنهم يشمئزّون من ذكر الله
__________________
(١) في (ز) حسبانهم.
(٢) في (ظ) ولا يحدثوا ، وفي (ز) ولا يحدثون.
(٣) محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير ، زاهد من رجال الحديث من أهل المدينة أدرك بعض الصحابة وروى عنهم ولد عام ٥٤ ه وتوفي عام ١٣٠ ه (الأعلام ٧ / ١١٢).
(٤) في (ز) صحائف أعمالهم.
(٥) في (أ) هزؤهم.
(٦) في (ز) أي أعطيناه.
(٧) القصص ، ٢٨ / ٧٨.