(قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) (١٧)
فهل سمعت قولهما؟ قال : لا ، فدعاهما ، فقال شمعون : من أرسلكما؟ قالا : الله الذي خلق كلّ شيء ، ورزق كلّ حيّ ، وليس له شريك ، فقال : صفاه وأوجزا ، قالا : يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، قال : وما آيتكما؟ قالا : ما يتمنى الملك ، فدعا بغلام أكمه ، فدعوا الله ، فأبصر الغلام ، فقال له شمعون : أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف؟ قال (١) : ليس لي عنك سرّ إنّ إلهنا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ، ثم قال : إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به ، فدعوا بغلام مات من سبعة أيام ، فقام وقال : إني أدخلت في سبعة أودية من النار لما متّ عليه من الشرك وأنا أحذّركم ما أنتم فيه فآمنوا ، وقال : فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة ، قال الملك : ومن هم؟ قال : شمعون وهذان ، فتعجّب الملك ، فلما رأى شمعون أنّ قوله قد أثر فيه نصحه فآمن وآمن قوم ، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا (فَكَذَّبُوهُما) فكذّب أصحاب القرية الرّسولين (فَعَزَّزْنا) فقوّيناهما ، فعززنا أبو بكر من عزّه يعزّه إذا غلبه أي فغلبنا وقهرنا (بِثالِثٍ) وهو شمعون ، وترك ذكر المفعول به ، لأنّ المراد ذكر المعزّز به وهو شمعون وما لطف فيه من التدبير حتى عزّ الحقّ وذلّ الباطل ، وإذا كان الكلام منصبا إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجّهه إليه كأن ما سواه مرفوض (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) أي قال الثلاثة لأهل القرية.
١٥ ـ (قالُوا) أي أصحاب القرية (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) رفع بشر هنا ونصب في قوله : (ما هذا بَشَراً) (٢) لانتقاض النفي بإلّا فلم يبق لما شبه بليس وهو الموجب لعمله (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) أي وحيا (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) ما أنتم إلّا كذبة.
١٦ ـ (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) أكّد الثاني باللام دون الأول ، لأن الأول ابتداء إخبار والثاني جواب عن إنكار ، فيحتاج إلى زيادة تأكيد ، وربنا يعلم جار مجرى القسم في التوكيد ، وكذلك قولهم شهد الله ، وعلم الله.
١٧ ـ (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي التبليغ الظاهر المكشوف بالآية
__________________
(١) في (ظ) و (ز) قال الملك.
(٢) يوسف ، ١٢ / ٣١.