(مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (٤٠) إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (٤١) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٢)
للاختصار ، ولما فيه من زيادة الوعيد ، والإيذان بأن حاله (١) تزداد كلّ يوم قوّة ، لأنّ الله تعالى ناصره ومعينه ، ألا ترى إلى قوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
٤٠ ـ (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) كيف توعّدهم بكونه منصورا عليهم غالبا عليهم في الدنيا والآخرة ، لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزّه وغلبته من حيث إن الغلبة تتم له بعزّ عزيز من أوليائه وبذلّ ذليل من أعدائه ، ويخزيه صفة للعذاب كمقيم ، أي عذاب مخز له وهو يوم بدر ، وعذاب دائم وهو عذاب النار. مكاناتكم أبو بكر وحماد.
٤١ ـ (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) القرآن (لِلنَّاسِ) لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه ليبشّروا وينذروا فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية (بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ومن اختار الضلالة فقد ضرّها (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) بحفيظ. ثم أخبر بأنه الحفيظ القدير عليهم بقوله :
٤٢ ـ (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) الأنفس الجمل كما هي ، وتوفّيها إماتتها ، وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة درّاكة (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها أي يتوفاها حين تنام تشبيها للنائمين بالموتى حيث لا يميّزون ولا يتصرّفون كما أنّ الموتى كذلك ، ومنه قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (٢) (فَيُمْسِكُ) الأنفس (الَّتِي قَضى) قضي حمزة وعليّ (عَلَيْهَا الْمَوْتَ) الحقيقي أي لا يردّها في وقتها حية (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) النائمة (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت ضربه لموتها ، وقيل يتوفى الأنفس أي يستوفيها ويقبضها وهي الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة ، ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها وهي أنفس التمييز ، قالوا فالتي تتوفى في المنام هي نفس التمييز لا نفس الحياة لأنّ نفس
__________________
(١) في (ظ) و (ز) حالته.
(٢) الأنعام ، ٦ / ٦٠.