(وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (٩) وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (١٢)
يطأطىء رأسه فلا يزال مقمحا.
٩ ـ (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) بفتح السين حمزة وعليّ وحفص ، وقيل ما كان من عمل الناس فبالفتح ، وما كان من خلق الله كالجبل ونحوه فبالضم (فَأَغْشَيْناهُمْ) فأغشينا أبصارهم ، أي غطّيناها وجعلنا عليها غشاوة (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الحقّ والرشاد ، وقيل نزلت في بني مخزوم ، وذلك أنّ أبا جهل حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضّخنّ رأسه ، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به ، فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكّوه عنها بجهد ، فرجع إلى قومه فأخبرهم ، فقال مخزومي آخر أنا أقتله بهذا الحجر ، فذهب فأعمى الله بصره (١).
١٠ ـ (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي سواء عليهم الإنذار وتركه ، والمعنى من أضلّه الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار ، وروي أنّ عمر بن عبد العزيز قرأ الآية على غيلان القدريّ (٢) فقال : كأني لم أقرأها أشهدك أني تائب عن قولي في القدر ، فقال عمر : اللهم إن صدق فتب عليه وإن كذّب فسلط عليه من لا يرحمه ، فأخذه هشام بن عبد الملك (٣) من عنده ، فقطع يديه ورجليه وصلبه على باب دمشق.
١١ ـ (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) أي إنما ينتفع بإنذارك من اتبع القرآن (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) وخاف عقاب الله ولم يره (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) وهي العفو عن ذنوبه (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) أي الجنة.
١٢ ـ (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) نبعثهم بعد مماتهم ، أو نخرجهم من الشرك إلى
__________________
(١) ابن إسحاق في السيرة ، وأبو نعيم في الدلائل عن ابن إسحاق بنحوه عن عكرمة عن ابن عباس.
(٢) غيلان القدري : هو غيلان بن مسلم الدمشقي ، أبو مروان ، كاتب من البلغاء تنسب إليه فرقة «الغيلانية» من القدرية ، ناظره الأوزاعي فأفتى بقتله ، فصلب على باب كيسان بدمشق (الأعلام ٥ / ١٢٤) انظر (الأوزاعي إمام السلف للمحقق ص ١١١ ـ دار النفائس).
(٣) هشام بن عبد الملك بن مروان ، من ملوك الدولة الأموية في الشام ، ولد في دمشق عام ٧١ ه وبويع عام ١٠٥ ه وتوفي عام ١٢٥ ه وكان حسن السياسة (الأعلام ٨ / ٨٦).