(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ (٣١) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ (٣٢) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) (٣٣)
الذّرّ (لَفِي عِلِّيِّينَ) هو علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كلّ ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين ، منقول من جمع علّيّ ، فعّيل من العلوّ سمّي به لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة ، أو لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون (١) تكريما له (وَما أَدْراكَ) ما الذي أعلمك يا محمد (ما عِلِّيُّونَ) أي شيء هو (٢) (كِتابٌ مَرْقُومٌ. يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) تحضره الملائكة ، قيل يشهد عمل الأبرار مقربو كلّ سماء إذا رفع (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) تنعم في الجنان (عَلَى الْأَرائِكِ) الأسرة في الحجال (يَنْظُرُونَ) إلى كرامة الله ونعمه ، وإلى أعدائهم كيف يعذبون (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) بهجة التنعّم وطراوته (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ) شراب خالص (٣) (مَخْتُومٍ. خِتامُهُ مِسْكٌ) تختم أوانيه بمسك بدل الطين الذي يختم به الشراب في الدنيا. أمر الله تعالى بالختم عليه إكراما لأصحابه ، أو ختامه مسك مقطعه رائحة مسك أي توجد رائحة المسك عند خاتمة شربه. خاتمه عليّ (وَفِي ذلِكَ) الرحيق أو النعيم (فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) فليرغب الراغبون ، وذا إنما يكون بالمسارعة إلى الخيرات والانتهاء عن السيئات (وَمِزاجُهُ) ومزاج الرحيق (مِنْ تَسْنِيمٍ) هو علم لعين بعينها سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنّمه إذا رفعه ، لأنها أرفع شراب في الجنة ، أو لأنها تأتيهم من فوق وتنصبّ في أوانيهم (عَيْناً) حال ، أو نصب على المدح (يَشْرَبُ بِهَا) أي منها (الْمُقَرَّبُونَ) عن ابن مسعود رضي الله عنه (٤) : يشربها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين.
٢٩ ـ ٣٣ ـ (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) كفروا (كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) في الدنيا استهزاء بهم (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) يشير بعضهم إلى بعض بالعين طعنا فيهم وعيبا لهم. قيل جاء عليّ رضي الله عنه في نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا وقالوا : أترون هذا الأصلع ، فنزلت قبل أن يصل عليّ إلى رسول
__________________
(١) الكروبيون : المقربون (انظر القاموس ١ / ١٢٣).
(٢) في النسخ المخطوطة إيش وهي لهجة.
(٣) زاد في (ظ) و (ز) لا غش فيه.
(٤) في (ظ) و (ز) عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم. والصواب ما أثبتناه فاللفظ لابن مسعود ، وما رواه ابن عباس قريبا منه وقد ذكر الطبري الروايتين من طرق عدة.