(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (٧٨) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)
والعرب تقدح بعودين تحكّ أحدهما على الآخر ويسمّون الأعلى الزّند والأسفل الزّندة شبهوهما بالفحل والطّروقة (١) (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) التي منها الزّناد (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) الخالقون لها ابتداء (نَحْنُ جَعَلْناها) أي النار (تَذْكِرَةً) تذكيرا لنار جهنم حيث علّقنا بها أسباب المعاش ، وعممنا بالحاجة إليها البلوى ، لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون ما أوعدوا به (وَمَتاعاً) ومنفعة (لِلْمُقْوِينَ) للمسافرين النازلين في القواء وهي القفر ، أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام ، من قولهم أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها ، بدأ بذكر خلق الإنسان فقال : أفرأيتم ما تمنون لأن النعمة فيه سابقة على جميع النعم ، ثم بما به (٢) قوامه وهو الحبّ ، فقال : أفرأيتم ما تحرثون ، ثم بما يعجن به ويشرب عليه وهو الماء ، ثم بما يخبز به وهو النار ، فحصول الطعام بمجموع الثلاثة ولا يستغني عنه الجسد ما دام حيا (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ) فنزّه ربّك عما لا يليق به أيها المستمع المستدلّ ، أو أراد بالاسم الذكر أي فسبح بذكر ربّك (الْعَظِيمِ) صفة للمضاف ، أو للمضاف إليه ، وقيل : قل سبحان ربي العظيم ، وجاء مرفوعا أنه لما نزلت هذه الآية قال : (اجعلوها في ركوعكم) (٣).
٧٥ ـ ٨٠ ـ (فَلا أُقْسِمُ) أي فأقسم ، ولا مزيدة مؤكدة مثلها في قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (٤) وقرىء فلأقسم ، ومعناه فلأنا أقسم ، اللام لام الابتداء أدخلت (٥) على جملة من مبتدأ وخبر وهي أنا أقسم ، ثم حذف المبتدأ ، ولا يصح أن تكون اللام لام القسم لأن حقّها أن تقرن بها النون المؤكدة (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) بمساقطها ومغاربها ، بموقع حمزة وعلي ، ولعل لله تعالى في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى المغرب أفعالا مخصوصة عظيمة ، أو للملائكة عبادات موصوفة ، أو لأنه وقت قيام المتهجدين ونزول الرحمة والرضوان عليهم ، فلذلك أقسم بمواقعها ، واستعظم ذلك بقوله (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) وهو اعتراض في اعتراض لأنه اعترض به بين القسم والمقسم عليه ، وهو قوله (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) حسن مرضيّ ، أو نفّاع جمّ المنافع ، أو كريم على الله ، واعترض بلو تعلمون بين الموصوف وصفته (فِي
__________________
(١) الفحل والطروقة : الذكر والأنثى من الحيوان.
(٢) في (ز) فيه.
(٣) رواه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي في التلخيص.
(٤) الحديد ، ٥٧ / ٢٩.
(٥) في (ز) دخلت.