(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ)(٨٠)
هذا بعد ما رم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (نعم ويبعثك ويدخلك جهنم) (١).
٧٧ ـ (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) مذرة (٢) خارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) بيّن الخصومة ، أي فهو على مهانة أصله ودناءة أوله يتصدى لمخاصمة ربّه وينكر قدرته على إحياء الميت بعد ما رمّت عظامه ، ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات ، وهو ينكر إنشاءه من موات وهو غاية المكابرة.
٧٨ ـ (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) بفتّه العظم (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) من المنيّ ، فهو أغرب من إحياء العظم ، المصدر مضاف إلى المفعول أي خلقنا إياه (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) هو اسم لما بلي من العظام غير صفة كالرّمّة والرّفات ولهذا لم يؤنث ، وقد وقع خبرا لمؤنث ، ومن يثبت الحياة في العظام ويقول إنّ عظام الميتة نجسة لأنّ الموت يوثر فيها من قبل أنّ الحياة تحلّها يتشبّث بهذه الآية ، وهي عندنا طاهرة وكذا الشعر والعصب لأنّ الحياة لا تحلّها فلا يؤثر فيها الموت ، والمراد بإحياء العظام في الآية ردّها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حيّ حساس.
٧٩ ـ (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) خلقها (أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي ابتداء (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ) مخلوق (عَلِيمٌ) لا تخفى عليه أجزاؤه وإن تفرقت في البرّ والبحر فيجمعه ويعيده كما كان.
٨٠ ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) تقدحون ، ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به ، وهي الزناد التي توري بها الأعراب ، وأكثرها من المرخ والعفار ، وفي أمثالهم في كلّ شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار لأنّ المرخ شجر سريع
__________________
(١) قال ابن حجر : هكذا ذكره الحلبي عن قتادة بغير سند. وأخرج نحوه البيهقي في الشعب ، وأخرج الحاكم نحوه وقال إن العاص بن وائل هو الذي فت العظم ، وقال ابن مردويه أن أبا جهل هو الذي جاء بالعظم البالي.
(٢) مذرة : فاسدة.