(سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) (٦)
بين الأمرين بعد الأسر بين أن يمنّوا عليهم فيطلقوهم وبين أن يفادوهم ، وحكم أسارى المشركين عندنا القتل أو الاسترقاق ، والمنّ والفداء المذكوران في الآية منسوخ بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) (١) لأن سورة براءة من آخر ما نزل ، وعن مجاهد : ليس اليوم منّ ولا فداء إنما هو الإسلام أو ضرب العنق ، أو المراد بالمنّ أن يمنّ عليهم بترك القتل ويسترقّوا ، أو يمنّ عليهم فيخلّوا لقبولهم الجزية ، وبالفداء أن يفادى بأساراهم أسارى المسلمين فقد رواه الطحاويّ (٢) مذهبا عن أبي حنيفة رحمهالله ، وهو قولهما ، والمشهور أنه لا يرى فداءهم لا بمال ولا بغيره لئلا يعودوا حربا علينا ، وعند الشافعي رحمهالله تعالى للإمام أن يختار أحد الأمور الأربعة القتل والاسترقاق والفداء بأسارى المسلمين والمنّ (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أثقالها وآلاتها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع (٣) ، وقيل أوزارها آثامها ، يعني حتى يترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم بأن يسلموا ، وحتى لا يخلو من أن يتعلّق بالضرب والشدّ أو بالمنّ والفداء ، فالمعنى على كلا المتعلّقين عند الشافعي رحمهالله أنهم لا يزالون على ذلك أبدا إلى أن لا يكون حرب مع المشركين ، وذلك إذا لم يبق لهم شوكة ، وقيل إذا نزل عيسى عليهالسلام ، وعند أبي حنيفة رحمهالله إذا علّق بالضرب والشدّ فالمعنى أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار وذلك حين لا تبقى شوكة للمشركين ، وإذا علق بالمنّ والفداء فالمعنى أنه يمنّ عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها إلا أن يتأوّل المنّ والفداء بما ذكرنا من التأويل (ذلِكَ) أي الأمر ذلك ، فهو مبتدأ وخبر ، أو افعلوا بهم ذلك ، فهو في محلّ النصب (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) لانتقم منهم بغير قتال ببعض أسباب الهلاك كالخسف أو الرّجفة أو غير ذلك (وَلكِنْ) أمركم بالقتال (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) أي المؤمنين بالكافرين تمحيصا للمؤمنين وتمحيقا للكافرين (وَالَّذِينَ قُتِلُوا) بصري وحفص ، قاتلوا غيرهم (فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ).
٥ ـ (سَيَهْدِيهِمْ) إلى طريق الجنة ، أو إلى الصواب في جواب منكر ونكير (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) يرضي خصماءهم ويقبل أعمالهم.
٦ ـ (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) عن مجاهد : عرّفهم مساكنهم فيها حتى لا
__________________
(١) التوبة ، ٩ / ٥.
(٢) الطحاوي : سبق ترجمته في ٣٣ / ٥٦.
(٣) الكراع : اسم يجمع الخيل.