(فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (٥٦) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)(٥٨)
٥٦ ـ (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) جمع سالف كخادم وخدم ، سلفا حمزة وعليّ جمع سليف ، أي فريق قد سلف (وَمَثَلاً) وحديثا عجيب الشأن سائرا مسير المثل يضرب بهم الأمثال ، ويقال مثلكم مثل قوم فرعون (لِلْآخِرِينَ) لمن يجيء بعدهم ، ومعناه فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم لإتيانهم بمثل أفعالهم ومثلا يحدّثون به.
٥٧ ـ (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) لما قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قريش : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (١) غضبوا ، فقال ابن الزبعرى : يا محمد أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليهالسلام : (هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم) فقال : ألست تزعم أنّ عيسى بن مريم نبيّ وتثني عليه وعلى أمّه خيرا وقد علمت أنّ النصارى يعبدونهما ، وعزيز يعبد ، والملائكة يعبدون. فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ، ففرحوا وضحكوا وسكت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (٢) ونزلت هذه الآية ، والمعنى ولمّا ضرب ابن الزبعرى عيسى بن مريم مثلا لآلهتهم وجادل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعبادة النصارى إياه (إِذا قَوْمُكَ) قريش (مِنْهُ) من هذا المثل (يَصِدُّونَ) يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وضحكا بما سمعوا منه من إسكات النبيّ صلىاللهعليهوسلم بجدله ، يصدون مدني وشامي والأعشى وعليّ من الصدود ، أي من أجل هذا المثل يصدّون عن الحقّ ويعرضون عنه ، وقيل من الصديد وهو الجلبة وأنهما لغتان نحو يعكف ويعكف.
٥٨ ـ (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) يعنون أنّ آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى ، فإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هيّنا (ما ضَرَبُوهُ) أي ما ضربوا هذا المثل (لَكَ إِلَّا جَدَلاً) إلّا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب الميز بين الحقّ والباطل (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) لدّ شداد الخصومة دأبهم اللّجاج ، وذلك أنّ قوله تعالى إنكم وما تعبدون لم يرد به إلا الأصنام ، لأنّ ما لغير العقلاء ، إلّا أنّ ابن
__________________
(١) الأنبياء ، ٢١ / ٩٨.
(٢) الأنبياء ، ٢١ / ١٠١ وقد سبق تخريج الحديث هناك وكذا الترجمة لابن الزبعرى.