(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (١٨)
وحكي أنّ قوما ركبوا وقالوا سبحان الذي سخّر لنا هذا ، الآية ، وفيهم رجل على ناقة لا تتحرك هزالا ، فقال : إني مقرن لهذه ، فسقط منها لوثبتها واندقت عنقه. وينبغي أن لا يكون ركوب العاقل للتنزه والتلذذ بل للاعتبار ، ويتأمل عنده أنه هالك لا محالة ومنقلب إلى الله غير منفلت من قضائه.
١٥ ـ (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) متصل بقوله ولئن سألتهم ، أي ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض ليعترفن به ، وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزءا ، أي قالوا : الملائكة بنات الله ، فجعلوهم جزءا له وبعضا منه كما يكون الولد جزءا لوالده ، جزؤا أبو بكر وحماد (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) لجحود للنعمة ظاهر جحوده لأنّ نسبة الولد إليه كفر ، والكفر أصل الكفران كلّه.
١٦ ـ (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) بل ، أي (١) أتخذ ، والهمزة للإنكار تجهيلا لهم وتعجيبا من شأنهم حيث ادعوا أنه اختار لنفسه المنزلة الأدنى ولهم الأعلى.
١٧ ـ (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) بالجنس الذي جعله له مثلا ، أي شبها لأنه إذا جعل الملائكة جزءا لله وبعضا منه فقد جعله من جنسه ومماثلا له ، لأنّ الولد لا يكون إلا من جنس الوالد (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) يعني أنهم نسبوا إليه هذا الجنس ، ومن حالهم أنّ أحدهم إذا قيل له قد ولدت لك بنت اغتمّ واربدّ وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب ، والظلول بمعنى الصيرورة.
١٨ ـ (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) أي أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفته ، وهو أنه ينشأ في الحلية أي يتربى في الزينة والنعمة وهو إذا احتاج إلى مجاناة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين ليس عنده بيان ولا يأتي ببرهان وذلك لضعف عقولهم (٢). قال مقاتل : لا تتكلم المرأة إلّا وتأتي بالحجّة عليها. وفيه أنه جعل النشأة في الزينة من المعايب ، فعلى الرجل أن يجتنب
__________________
(١) في (ظ) سقطت أي ، وفي (ز) أي بل.
(٢) في (ظ) و (ز) عقولهن.