فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) (١٦)
(جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (١) وإنّ الذين أورثوا الكتاب من بعدهم هم المشركون أورثوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب التوراة والإنجيل.
١٥ ـ (فَلِذلِكَ) فلأجل ذلك التفرّق ولما حدث بسببه من تشعّب الكفر شعبا (فَادْعُ) إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفيّة القديميّة (٢) (وَاسْتَقِمْ) عليها وعلى الدعوة إليها (كَما أُمِرْتَ) كما أمرك الله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) المختلفة الباطلة (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) أي كتاب صحّ أنّ الله تعالى أنزله ، يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة ، لأنّ المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض كقوله : (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) (٣) إلى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) (٤) (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إليّ (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) أي كلّنا عبيده (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) هو كقوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٥) ويجوز أن يكون معناه إنّا لا نؤاخذ بأعمالكم وأنتم لا تؤاخذون بأعمالنا (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) أي لا خصومة لأنّ الحقّ قد ظهر وصرتم محجوبين به فلا حاجة إلى المحاجّة ، ومعناه لا إيراد حجة بيننا لأنّ المحتاجين يورد هذا حجته وهذا حجته (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) يوم القيامة (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) المرجع لفصل القضاء فيفصل بيننا وينتقم لنا منكم.
١٦ ـ (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) يخاصمون في دينه (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) من بعد ما استجاب له الناس ودخلوا في الإسلام ليردّوهم إلى دين الجاهلية كقوله : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً) (٦) كان اليهود والنصارى يقولون للمؤمنين كتابنا قبل كتابكم ونبيّنا قبل نبيّكم فنحن خير منكم وأولى بالحق ، وقيل من بعد ما استجيب لمحمد عليهالسلام دعاؤه في (٧) المشركين يوم بدر
__________________
(١) البينة ، ٩٨ / ٤.
(٢) في (ظ) و (ز) القوية.
(٣) النساء ، ٤ / ١٥٠.
(٤) النساء ، ٤ / ١٥١.
(٥) الكافرون ، ١٠٩ / ٦.
(٦) البقرة ، ٢ / ١٠٩.
(٧) في (ظ) للمشركين ، وفي (ز) على المشركين.