(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (١٣) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ) (١٤)
١٣ ـ (شَرَعَ) بيّن وأظهر (لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد ومن بينهما من الأنبياء عليهمالسلام ، ثم فسّر المشروع الذي أشرك (١) هؤلاء الأعلام من رسله فيه بقوله (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) والمراد إقامة دين الإسلام الذي هو توحيد الله وطاعته ، والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء ، وسائر ما يكون المرء بإقامته مسلما ، ولم يرد به الشرائع فإنها مختلفة قال الله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (٢) ومحلّ أن أقيموا نصب بدل من مفعول شرع والمعطوفين عليه ، أو رفع على الاستئناف ، كأنه قيل : وما ذلك المشروع؟ فقيل : هو إقامة الدين (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ولا تختلفوا في الدين ، قال عليّ رضي الله عنه : لا تتفرقوا فالجماعة رحمة والفرقة عذاب (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) عظم عليهم وشقّ عليهم (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من إقامة دين الله والتوحيد (اللهُ يَجْتَبِي) يجتلب ويجمع (إِلَيْهِ) إلى الدين بالتوفيق والتسديد والتثبيت (٣) (مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) يقبل على طاعته.
١٤ ـ (وَما تَفَرَّقُوا) أي أهل الكتاب بعد أنبيائهم (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) إلا من بعد أن علموا أنّ الفرقة ضلال وأمر متوعّد عليه على ألسنة الأنبياء عليهمالسلام (بَغْياً بَيْنَهُمْ) حسدا وطلبا للرياسة والاستطالة بغير حقّ (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهي : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) (٤) (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) لأهلكوا حين افترقوا لعظم ما اقترفوا (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من كتابهم لا يؤمنون به حقّ الإيمان (مُرِيبٍ) مدخل في الريبة ، وقيل وما تفرّق أهل الكتاب إلّا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم كقوله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما
__________________
(١) في (ظ) و (ز) اشترك.
(٢) المائدة ، ٥ / ٤٨.
(٣) ليس في (ظ) و (ز) والتثبيت.
(٤) القمر ، ٥٤ / ٤٦.