(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) (٣٣)
صيحة واحدة (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ميّتون كما تخمد النار ، والمعنى أنّ الله كفى أمرهم بصيحة ملك ولم ينزل لإهلاكهم جندا من جنود السماء كما فعل يوم بدر والخندق.
٣٠ ـ (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) الحسرة شدّة الندم ، وهذا نداء للحسرة عليهم ، كأنما قيل لها تعالي يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقّك أن تحضري فيها ، وهي حال استهزائهم بالرّسل ، والمعنى أنهم أحقاء بأن يتحسّر عليهم المتحسّرون ، ويتلهّف على حالهم المتلهفون ، أو هم متحسّر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثّقلين.
٣١ ـ (أَلَمْ يَرَوْا) ألم يعلموا (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) كم نصب بأهلكنا ويروا معلق عن العمل في كم ، لأنّ كم لا يعمل فيها عامل قبلها كانت للاستفهام أو للخبر لأنّ أصلها الاستفهام إلّا أن معناه نافذ في الجملة ، وقوله (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) بدل من كم أهلكنا على المعنى لا على اللفظ ، تقديره ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم أنّهم (١) غير راجعين إليهم.
٣٢ ـ (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) لمّا بالتشديد شامي وعاصم وحمزة بمعنى إلّا ، وإن نافية ، وغيرهم بالتخفيف على أنّ ما صلة للتأكيد ، وإن مخففة من الثقيلة ، وهي متلقاة باللام لا محالة ، والتنوين في كلّ عوض من المضاف إليه ، والمعنى إن كلّهم محشورون مجموعون محضرون للحساب ، أو معذبون ، وإنما أخبر عن كلّ بجميع لأنّ كلّا يفيد معنى الإحاطة ، والجميع فعيل بمعنى مفعول ، ومعناه الاجتماع ، يعني أنّ المحشر يجمعهم.
٣٣ ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ) مبتدأ وخبر ، أي وعلامة تدلّ على أنّ الله يبعث الموتى ، إحياء الأرض الميتة ويجوز أن يرتفع آية بالابتداء ولهم صفتها وخبرها (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) اليابسة وبالتشديد مدني (أَحْيَيْناها) بالمطر ، وهو استئناف بيان لكون الأرض
__________________
(١) في (ظ) و (ز) كونهم.