ورقابة مكتوباتهم الموجودة عند الرسول وكتّاب الوحي وسائر المسلمين ، جملة
وأبعاضا وسورا. فاستمرّ القرآن الكريم على هذا الاحتفال العظيم بين المسلمين جيلا
بعد جيل ، ترى له في كلّ آن ألوفا مؤلّفة من المصاحف ، وألوفا من الحفّاظ ، ولا
تزال المصاحف ينسخ بعضها على بعض ، والمسلمون يقرأ بعضهم على بعض ، ويسمع بعضهم من
بعض. تكون ألوف المصاحف رقيبة على الحفّاظ ، وألوف الحفّاظ رقباء على المصاحف ،
وتكون الألوف من كلا القسمين رقيبة على المتجدّد منهما. نقول : الألوف ، ولكنّها
مئآت الألوف وألوف الألوف. فلم يتّفق لأمر تاريخي من التواتر وبداهة البقاء مثل ما
اتّفق للقرآن الكريم ، كما وعد الله جلّت آلاؤه بقوله في سورة الحجر : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
قال : ولئن
سمعت في الروايات الشاذّة شيئا في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لها وزنا ،
وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها لإجماع المسلمين ،
وفيما جاءت به في مرويّاتها الواهية من الوهن ، وما ألصقته بكرامة القرآن ممّا ليس
له شبه به .
وأمّا ما استند
إليه الشرذمة الأخباريّة ـ ويترأّسهم السيّد نعمة الله الجزائري ، وسار على أثره الشيخ ميرزا حسين النوري في تهريج عارم ، فهي روايات شاذّة ، أكثرها مراسيل
وأخرى مجاهيل أو ضعاف ، ليس لها أصل متين ولا قرار مكين. على ما فصّلنا الكلام
فيها في كتابنا «صيانة القرآن من التحريف» (الجزء الثامن من التمهيد).
ومن أهمّ ما
استند إليه الجزائري ، هي رواية مرسلة لا إسناد لها ، ذكرها صاحب كتاب
الاحتجاج ـ ولم يعرف لحدّ الآن ـ :
[م / ٨٧] أنّه
سئل الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام عن التناسب في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي
الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)؟ فقال ـ فيما فرضه الراوي ـ : «إنّ
__________________