في مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك ، وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبّه وعبد الله بن سلام وأمثالهم. فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأغراض ، أخبار موقوفة عليهم.
وتساهل المفسّرون في مثل ذلك وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات ، وأصلها ـ كما قلنا ـ عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك. إلّا أنّهم بعد صيتهم وعظمت أقدارهم ، لما كانوا عليه من المقامات في الدّين والملّة ، فتلقّيت [منهم] بالقبول من يومئذ.
قال : فلمّا رجع الناس إلى التحقيق والتمحيص ، وجاء أبو محمّد عبد الحقّ بن غالب بن عطيّة من المتأخّرين (٤٨١ ـ ٥٤٢) بالمغرب ، فلخّص تلك التفاسير كلّها وتحرّى ما هو أقرب إلى الصحّة منها ووضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس ، حسن المنحى. [وأسماه : المحرّر الوجيز].
قال : وتبعه أبو عبد الله محمّد بن أحمد القرطبي (٥٨٠ ـ ٦٧١) في تلك الطريقة على منهاج واحد في كتاب آخر [الجامع لأحكام القرآن] مشهور بالمشرق (١).
وهكذا الإمام الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير (٧٠١ ـ ٧٧٤) في تفسيره القيّم ، قد أزاح الكثير من الإسرائيليّات والموضوعات عن وجه التفسير.
ومن أصحابنا الإماميّة قام الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠) بتهذيب التفسير وتنقيحه عن الشوائب والأكدار ، ليبدو نقيّا صافيا وضافيا بجلائل الدرر والجواهر الحسان ، في تفسيره الأثري العظيم (التبيان). وهو بحقّ تفسير حافل بأمّهات الدلائل على فهم معاني القرآن ، وجامع لكلّ ما يحتاج إليه المفسّر في تبيين المعاني وتشييد المباني ، خال عن كلّ حشو أو زيادة. فجاء تفسيرا جامعا وحاويا على أسس المطالب والتي تستهدفها رسالة القرآن الكريم.
غير أنّ تفسيره هذا ـ على عظمته ـ كان قد ازدحمت عليه المطالب من غير ما نظم وبصورة
__________________
(١) المقدّمة لابن خلدون : ٤٣٩ ـ ٤٤٠ ، (الفصل الخامس في علوم القرآن).