لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك. فكان قوله ما قال ... ومراجعته ربّه ... للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان حتّى خيّلت إليه أنّ النداء الذي سمعه كان من غير الملائكة. فقال : ربّ أنّى يكون لي غلام ، مستثبتا في أمره ليتقرّر عنده بآية يريه الله في ذلك أنّه بشارة من الله (١).
[م / ٣٥٦] هذا وقد روي عن قتادة قال : شافهته الملائكة. ومع ذلك فقد عاقبه الله إذ سأل الآية مع مشافهة الملائكة إيّاه بما بشّرته به (٢).
الأمر الذي استنكره النبهاء من المفسرين ، القدامى منهم والمتأخرون.
قال القاضي : لا يجوز أن يشتبه كلام الملائكة بكلام الشيطان عند الوحي على الأنبياء عليهمالسلام إذ لو جوّزنا ذلك لارتفع الوثوق عن كلّ الشرائع.
وأجاب بعضهم عن ذلك بما لا يفيد (٣).
أمّا الأستاذ عبده فقد وقف وقفته الحاسمة قائلا : ومن سخافات بعض المفسّرين زعمهم أنّ زكريّا عليهالسلام اشتبه عليه وحي الملائكة ونداؤهم بوحي الشيطان ، ولذلك سأل سؤال التعجّب ، ثمّ طلب آية للتثبّت.
[م / ٣٥٧] قال : وروى ابن جرير عن السّدي وعكرمة : أنّ الشيطان هو الذي شكّكه في نداء الملائكة وقال : إنّه من الشيطان!!
قال : ولو لا الجنون بالروايات مهما هزلت وسمجت لما كان لمؤمن أن يكتب مثل هذا الهزء والسخف الذي ينبذه العقل وليس في الكتاب ما يشير إليه. ولو لم يكن لمن يروي مثل هذا إلّا هذا لكفى في جرحه ، وأن يضرب بروايته على وجهه. فعفى الله عن ابن جرير إذ جعل هذه الرواية ممّا ينشر (٤).
أمّا سؤال زكريّا فكان عن وجد واشتياق إلى لقاء الوعد ، كيف ومتى تتحقّق هذه البشارة السارّة. فجاءه الجواب : عند ما تؤمر بصيام الصمت ثلاثة أيّام. فتمسك عن الكلام إلّا بذكر الله. فعند ذاك كان أوان تحقق الوعد المبشّر به.
وهكذا نجد الأستاذ شهما عند تفسير سورة الفلق ، حيث مزدحم روايات سحر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
(١) المصدر : ٣٥٠ ـ ٣٥١ / ٥٥٠٨.
(٢) المصدر : ٣٥٢ / ٥٥١١.
(٣) راجع : التفسير الكبير ٨ : ٣٩. والميزان ٣ : ١٩٤ ـ ١٩٥. وفيه بعض الغرابة!
(٤) المنار ٣ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩.