بأنّه لا يجني الجاني على أكثر من نفسه ، فإذا وردت رواية مخالفة لذلك ،
ينبغي أن لا يلتفت إليها .
انظر كيف جعل
ظاهر الكتاب نصّا بعد دعمه بصريح الروايات ، وجعل ما يخالف هذا الظاهر مخالفا
للكتاب. وهو أسلوب فنيّ دقيق ، قد يخفى على غير ذوي الاختصاص بمشارب الفقاهة.
وللشيخ في
ترجيحاته لمختلف الروايات أساليب تنبؤك عن سعة باعه في طريقة الاجتهاد والاستنباط
، ولا بدّ أن تؤخذ أسوة ـ كما كانت عند السلف والخلف من فقهائنا العظام ـ ولا يجعل
مجرّد اعتبار السند أو محض وثاقة الراوي معيارا للقبول.
وهذا الإمام
أحمد بن حنبل يجعل العرض على الثابت من قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مقياسا لتمييز الصحيح عن السقيم.
[م / ٣٤٢] قال
محمّد بن منصور : كنّا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله! ما تقول
في هذا الحديث الذي يروى : أنّ عليّا عليهالسلام قال : «أنا قسيم النار»؟ فقال أحمد : وما تنكرون من ذا؟
أليس روينا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعليّ عليهالسلام «لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق»؟ قلنا : بلى! قال : فأين المؤمن؟
قلنا : في الجنّة. قال : وأين المنافق؟ قلنا : في النار. قال أحمد : فعليّ قسيم
النار!
نماذج من نقد الحديث ذاتيّا
ولقد كان نقد
الحديث متنا (ذاتيّا من داخل محتواه) أمرا معروفا منذ البداية ولا يزال. وإليك
أوّلا النقد بمخالفة الكتاب :
[م / ٣٤٣] روى
البخاري في صحيحه بالإسناد إلى مسروق بن الأجدع قال : قلت لعائشة : يا أمّتاه! هل
رأى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ربّه؟ فقالت : لقد قفّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدّثكهنّ فقد كذب :
١ ـ من حدّثك
أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم رأى ربّه ، فقد كذب. ثمّ قرأت :
(لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). (وَما كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ).
__________________