وبعد فإذ قد ثبتت أصالة اللفظة في اللغة ، وكان لها تصاريف دارجة في الاستعمال القديم ، فلا موضع لاحتمال كونها من الدخيل ، من أصل سرياني كما قيل!
ادّعى بعضهم أنّه من المحتمل اشتقاق لفظة «القرآن» من «قريانة» بمعنى القراءة ، حيث كانت تستعمل في الكنيسة السّريانيّة ، وجاء ذلك في دائرة المعارف الإنجليزيّة ، ويردّده مستشرق آخر فرنسي هو «ريجي بلا شير» ، وهكذا تلقّتها المصادر الغربيّة ، دون تحرّ عن الحقيقة أو بحث علمي قائم على خطوات منهجيّة (١).
على أنّ اشتراك اللغات المتجاورة في جذور كلمات وألفاظ ، كان شيئا معروفا ، كاشتراك أصول الأمم أنفسها ، ولا سيّما في مثل العربيّة والعبريّة والسّريانيّة ، لها جذور مشتركة ، ولا دليل على أنّ إحداها أخذت من الأخرى ، أو أنّ إحداها أصل والأخرى فرع ، إن لم نقل بأنّ العربيّة هي الأصل لعراقتها في القدم.
وهكذا انصبّ اهتمام عدد من المستعربين المتحرّشين بالإسلام ، على كلمة «فرقان» فبذلوا جهودا مضنية بهدف إرجاعها إلى أصول يهوديّة ـ مسيحيّة.
ولعلّه من جزاف القول : ما ذكره بعض المستشرقين اليهود (٢) ، تصوّروا أنّ كلمة «فرقان» عبريّة ، قدتّم تعريبها. حيث كانت في الأصل «بيركي» (ekriP) . وبشير «مرجليوث» في موسوعته «الدّين والأخلاق» ، قائلا : إنّ الكلمة الأصليّة هي «بيركى ـ أبوت» (٣).
ويعطي «ريتشارد ـ بيل» معلّقا على كلمة «فرقان» في كتابه «مدخل إلى القرآن» ص ١٣٦ ـ ١٣٧ ، الذي صدر بعد وفاته ، تفسيرا يمزج فيه بين التفسير الذي يجمع عليه المفسّرون المسلمون ، وبين تفسير المستشرقين المسيحيّين الذين يزعمون أنّ لفظة «فرقان» ترجع في أصلها إلى الكلمة السّريانيّة «فرقانا» (anakruF) يقول : إنّ الكلمة قد تمّ اشتقاقها من المصادر المسيحيّة ، لكنّ محمدا لا بدّ أنّه قد مزجها باللفظ العربي «فرق» لتسهيل التفريق ما بين أتباعه وبين
__________________
(١) راجع : قضايا قرآنيّة في الموسوعة البريطانيّة ـ للدكتور فضل حسن عبّاس : ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) أمثال «جيجر» في كتابه «ما ذا أخذ محمّد من اليهود؟ : ٩٩». و «هير شفيلد» في كتابه «بحوث جديدة في القرآن : ٦٨». و «هوروفيتز» : «بحوث قرآنيّة : ٧٦ ـ ٧٧».
(٣) الدفاع عن القرآن ضدّ منتقديه ـ عبد الرحمان بدوي : ٥٨.