وذكر الكشّي : أنّ يحيى بن عبد الحميد الحمّاني (١) ذكر في كتابه المؤلّف لإثبات إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه سأل شريكا (٢) عن أقوام زعموا أنّ في جعفر بن محمّد ضعفا في الحديث؟! فقال : أخبرك القصّة :
كان جعفر بن محمّد رجلا صالحا مسلما ورعا ، فاكتنفه قوم جهّال يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون : حدّثنا جعفر بن محمّد ، ويحدّثون بأحاديث كلّها منكرات كذب موضوعة على جعفر. يستأكلون الناس بذلك ويأخذون منهم الدراهم ، فكانوا يأتون من ذلك بكلّ منكر. فسمعت العوامّ بذلك منهم ، فمنهم من هلك ومنهم من أنكر.
قال : وهؤلاء مثل المفضّل بن عمر (٣) ، وبيان ، وعمرو النبطي (٤) وغيرهم ، ذكروا أنّ جعفرا حدّثهم : أنّ معرفة الإمام تكفي من الصوم والصلاة. وحدّثهم عن أبيه عن جدّه وأنّه حدّثهم عن قبل القيامة ، وأنّ عليّا عليهالسلام في السحاب يطير مع الريح ، وأنّه كان يتكلّم بعد الموت ، وأنّه كان يتحرّك على المغتسل ، وأنّ إله السماء [هو الله] وإله الأرض الإمام ، فجعلوا لله شريكا! جهّال ضلّال!
ثمّ قال : والله ما قال جعفر شيئا من هذا قطّ. كان جعفر أتقى لله وأورع من ذلك. قال : فسمع الناس ذلك فضعّفوه ، ولو رأيت جعفرا لعلمت أنّه واحد الناس (٥).
هذا المغيرة بن سعيد البجلي أبو عبد الله الكوفي ، كذّاب كان يضع الحديث مغالاة بشأن أئمّة
__________________
(١) بكسر الحاء وتشديد الميم ، نسبة إلى بنى حمّان ، قبيلة من تميم نزلت الكوفة. ويحيى هذا هو : الحافظ أبو زكريّا يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمان الحمّاني ، الكوفي صاحب المسند الكبير. كان من مشايخ الحديث وكان ثقة. ذكر ابن حجر أنّه كان يتشيّع وسأله أبو داوود عن حديث لعثمان ، فقال : أو تحبّ عثمان؟! وقال الدارميّ : سمعت ابن معين يقول : ابن الحمّانى صدوق مشهور بالكوفة. مثل ابن الحمّاني ، ما يقال فيه ، من حسد. وقال : صدوق ثقة. وكان هو أوّل من جمع المسند من الكوفيين ، فكانوا يحسدونه على فضله وتقدّمه. وكان عنده عن شريك النخعي سبعة آلاف حديث ، قد سمع منه الكثير واستملى عنه. وقال سهل بن المتوكّل : سمعت أحمد وقد سئل عن ابن الحمّاني فقال : قد سمع الحديث وجالس الناس ، وقوم يقولون فيه ، ما أدري ما يقولون؟! وقال مرّة : أكثر الناس فيه ، وما أدري ذلك إلّا من سلامة صدره (تهذيب التهذيب ١١ : ٢٤٣ / ٣٩٨).
(٢) هو : شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صاحب الصيت الكبير. كان حسن الحديث وكان أروى الناس. قال وكيع : لم يكن أحد أروى من الكوفيّين من شريك. ولد سنة ٩٠ ومات سنة ١٧٧. قال الساجي : كان ينسب إلى التشيّع المفرط. وكان فقيها وكان يقدّم عليّا عليهالسلام ، على عثمان. ومن ثمّ عيب عليه. (تهذيب التهذيب ٤ : ٣٣٣ / ٥٧٧).
(٣) لعلّه كان فيه ارتفاع ، لكنّه رجع وتاب وأصبح من الموالين الثقات. وكان موضع عناية من الإمام الصادق عليهالسلام وملجأ للشيعة في الكوفة حتّى توفّاه الله وأدخله رضوانه.
(٤) قد مرّ الحديث عن بيان التبّان. أمّا عمرو النبطي فلم يعرف.
(٥) رجال الكشّي ٢ : ٦١٦ ـ ٦١٧.