مهما كانت قناعاتنا ومسلّماتنا وثوابتنا التأريخية ، فلعلنا كنّا مخطئين طيلة القرون السابقة؟ وإلا لو كنّا على الحق المبين ، فلِمَ هذا الانحطاط الذي يلفّ حياتنا جميعاً؟
وكيف أصبحنا أمّة متقوقعة على نفسها ، ولم تستطع أن تجاري الأمم المتقدمة الأخرى ، فضلاً عن أن تسبقها في مضمار الرقي والتقدم والنظم الحضارية؟ ثم ألم تكن الشريعة الاسلامية قد جاءت للناس كافة ، وأرسل الله نبيه الاكرم صلىاللهعليهوآله للبشرية جمعاء؟ : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (١).
وبشَّر الله تعالى أمّته بأنها ستكون خير الأمم ، وان الدين الاسلامي سيستوعب الاديان السابقة كلها .. فلماذا انحسرت الأمّة الاسلامية عن مسرح الحياة ، وأضحت أمّة على هامش الأمم؟ كل تلك الحقائق المرّة تمرّ على أذهاننا ، ونحن نقرّر خوض تجربتنا مع التأريخ ، سواء سررنا أو حزنّا ، وسواء جاءت نتائج البحث والتحليل لتعزّز قناعتنا السابقة ، أو جاءت بقناعة جديدة.
المهم لدينا ، التوصّل للحقيقة فحسب ، وعدم المضي كالعميان المُنقادين ونحن نتّبع الآباء والأجداد على غير هدى ، فقط أنهم آبائنا وأجدادنا ، ولأنهم كذلك ، فهم على حق مؤكّد لا يمكن المساس به ، ولا يجوز نِقاشه بأي حال من الأحوال؟
هذه القناعة ، هي قناعة وخيار كل أتباع المذاهب الاسلامية وطوائفها وفِرَقها .. فكلهم على حق مبين بالرغم من وجود التضارب في العقائد والاحكام الشرعية المُطبّقة. بينما الاسلام واحد ، والقرآن واحد ، والنبي واحد ... فلِمَ هذه الاختلافات العميقة بين المذاهب والفِرَق العديدة التي أفضت الى حروب وصراعات شعواء ، ذهبت ضحيتها ، نفوس وجهود وطاقات جمّة ، كانت الأئمّة بأمس الحاجة اليها وهي تواجه الأمم
__________________
(١) سبأ ٢٨.